مقال

الدكروري يكتب عن أمره كله خير

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أمره كله خير

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه يجب على الإنسان المسلم العاقل أن يحسن كسبه فلا يأكل إلا حلالا، ولا يشرب إلا حلالا، وإذا قدم إليه ليأكله اقتدى بمن صار مثلا لسائر المسلمين بأدبه الذي أدبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عمر بن أبي سلمة الذي تربي في حجر رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإنه المسلم الذي أدبه ربه وأحسن تأديبه بتعاليم الإسلام، وفضائل الأخلاق التي جاء بها الدين الحنيف، كيلا يكون بين الناس أحد شاذا بل كلهم على وتيرة أدبية واحدة إذ منهجهم واحد ومنبعهم واحد، ومشربهم واحد ألا وهو الإسلام، وإن أمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، فأين في زماننا من إذا نزلت به الكربة رأيت منه قيام الليل وصيام النهار وصدق اللجأ إلى الله تعالى ثم إذا كشف الله كربته.

 

أكثر من الحمد والشكر وزاد في الطاعات، فاعلموا أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن ما يقع على الناس من ضيق في أموالهم، أو مرض في أجسادهم أو عقوق من أولادهم، أو مشاكل وخصومات، إن ذلك كله مقدر مكتوب على العبد، فليس له إلا التجمل والصبر، مع تعاطي الأسباب ليصلح بها شمل نفسه ويرفع عنها ما أصابه “وإن الله إذا أراد بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة”، بهذا جاء الخبر عن المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي، ولقد جبلت الدنيا على كدر فكم من مصائب وكوارث وأزمات يتعرض لها الإنسان في حياته، سواء كان ذلك في نفسه، أو في أهله وماله وأولاده، أو في جسده، أو في دينه، ومجتمعه وأمته، وقد يبتلى المرء في طعامه وشرابه وحريته.

 

وهذا الابتلاء جعله الله سنة في خلقه لم يستثن منه أحدا، حتى أنبياءه ورسله، وهم أقرب الخلق وأحبهم إليه، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله أي الناسِ أشد بلاء؟ فقال “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة” وذكر الله سبحانه وتعالى الابتلاء وقرنه بخلق الإنسان، ومازال نطفة ليدرك أن حقيقة الابتلاء، وكيف يتعامل معه ويستفيد منه؟ وكيف يستثمره ليواصل مسيرة الحياة، وجعل الله سبحانه وتعالى الابتلاء في الدنيا بما فيها سنة ماضية في الأمم والأفراد والشعوب، وجعل الآخرة للجزاء، وهذا الابتلاء وهذا الامتحان عاشه محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وهو سيد ولد آدم، وأحب خلق الله إليه صابرا ومحتسبا، واثقا من ربه أنه لن يضيعه ولن يتركه، فكان له النصر والتمكين والرفعة في الدنيا والآخرة، وابتلي موسى عليه السلام وهو الذي قال الله فيه ” وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى” وقال سبحانه وتعالى ” وألقيت عليك محبة منى ولنصنع على عينى” وعندما وقف موسى عليه السلام أمام فرعون يدعوه إلى هدى الله، بعد أن مارس الفساد والظلم والاضطهاد على قومه، فذبح أبناءهم واستحيى نساءهم، قال له فرعون “وما رب العالمين” الذي تدعو إليه ” قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين” وعندما جاء نبى الله موسى عليه السلام بالبينات على صدقه، قال فرعون لمن حوله “إن هذا لساحر عليم” ولأن فرعون رجل ديمقراطي أراد أن ينتصر على موسى أمام الجماهير وجمع السحرة والناس في يوم مهيب.

 

” قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى” وعندما وجد السحرة أن ما جاء به نبى الله موسى ليس بسحر، بل هي معجزة عظيمة آمنوا واتبعوا موسى عليه السلام، فبدأ التهديد والإرهاب والحصار والتقطيع لعلهم أن يعودوا كما كانوا، فقالوا لفرعون بلسان الواثق بربه كما جاء فى سورة طه ” قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقضى ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا” وانتصر موسى عليه السلام وقومه وأغرق الله فرعون وجنده، وقد ذكر التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة، عن لبيب العابد قال “رأيت حيّة داخلة جحرها فأمسكت بذننها فعضّت يدي فشلت، ثم شلت يدي الأخرى، ثم جفت رجلاي ثم عميت وخرست، وبقيت سنة كاملة ملقى على فراش ليس في جارحة صحيحة إلا سمعي أسمع به ما أكره، وكنت أسقى وأنا ريّان.

 

وأترك وأنا عطشان، وأطعم وأهمل، فدخلت امرأة يوما فسألت زوجتي كيف أبو علي؟ فقالت لا حي فيُرجى ولا ميت فينسى، فآلمني ذلك، فدعوت الله في سرّي وبكيت، فضربني ألم شديد ظننته الموت، حتى جاء الليل فسكن عني فنمت، فما أحسست إلا وقت السّحر وإحدى يدي على صدري وكانت مطروحة على الفراش، فحركتها فتحركت، فحركت الأخرى فتحركت وجعلت أقبضها وأبسطها، ثم أردت الانقلاب من غير أن يقلبني أحد فانقلبت ثم قمت ومشيت وأنا أطمع في بصري فخرجت إلى صحن الدار فرأيت السماء فكدت أموت فرحا فصحت يا قديم الإحسان لك الحمد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى