مقال

الدكروري يكتب عن ونبلوكم بالشر والخير فتنة 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ونبلوكم بالشر والخير فتنة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله سبحانه وتعالي يبتلي عباده بالسراء والضراء، والنعمة والبأساء، والصحة والمرض، والغنى والفقر فيقول تعالى ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” فيا من شكا الخطوب، وعاش وهو منكوب، ودمعه من الحزن مسكوب، يامن داهمته الأحزان، وبات وهو سهران، وأصبح وهو حيران، يامن هده الهم وأضناه، وأقلقه الكرب وأشقاه، وزلزله الخطب وأبكاه، أنسيت أمن يجيب المضطر إذا دعاه، للمرض شفاء، وللعلة دواء، وللظمأ ماء، وللشدة رخاء، وبعد الضراء سراء، وبعد الظلام ضياء، فلقد كان بلال بن رباح رضى الله عنه يسحب على الرمضاء، ثم رفع لرفع النداء، وكان نبى الله يوسف عليه السلام مسجونا في الدهليز، ثم حكم مصر بعد العزيز، فعسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خيرا لك، فإذا ضاقت بك السبل، وانقطعت بك الحيل.

 

فالجأ إلى الله عز وجل، واعلم أن الشدائد ليست مستديمة، ولا تبقى برحالك مقيمة، والدنيا أحوال، وألوان وأشكال، ولن تدوم عليك الأهوال، فسوف تفتح الأقفال، وتوضع الأغلال، والشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، تذيب الخطايا، وتعظم بها العطايا، وهي للأجر مطايا، فإن بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام، فسبحان القائل العظيم ” فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده” ويقول تعالى ” سيجعل الله بعد عسر يسرا” وقال ابن رجب ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أكبر الأسباب التي تطلب بها الحوائج.

 

فإن الله تعالى يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه” وقال الفضيل رحمه الله، والله لو يئست من الخلق، حتى لا تريد منهم شيئا، لأعطاك مولاك كل ما تريد، واعلم أن الله يبتليك في المنع كما يبتليك في العطاء فقال تعالى ” اتبلون فى أموالكم وأنفسكم” فإن الابتلاء مورد من موارد الصبر، وهو فريضة الوقت في المصيبة فتذكرأن الصبر على أقدار الله، أحد أصول الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم “واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك” رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا” رواه أحمد والبيهقي، والصبر من جميل الخلال، ومحمود الخصال فلا تتسخط على أقدار الله، ولا تقع في سب الدهور والأزمان، ولا تلطم وجها، أو تشق جيبا.

 

واحذر أن تفتح على نفسك باب الشيطان الكبير وهو كلمة “لو” فتقول لو أني ما فعلت، وإن البلاء أمر قضي وانتهى والمؤمن يصبر اختيارا، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “وجدنا خير عيشنا بالصبر” ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “الصبر مطية لا تكبو” ويقول ابن القيم رحمه الله “الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنى وأمنا، وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه ” فإن في المحنة منحة، وفي النقمة نعمة ، فيها تقوية للمؤمن وتدريب له على الصبر، وفيها النظر إلى قهر الربوبية وذل العبودية وفيها خضوع الإنسان لربه وانطراحه بين يديه.

 

فالله تعالى يبتلى خلقه بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به فهذه من النعم في طي البلاء، وليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب وقسوة القلب وما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وحفظا لصحة عبوديته، وفيها العلم بحقارة الدنيا وهو أنها أدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفوه وتنغص حياته وتنسيه ملاذه السابقة، فاتقوا الله عباد الله فيقول الله تعالى “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” فإن الحياة الدنيا مليئة بالمحن والمتاعب والبلايا والشدائد والنكبات إن صفت يوما كدرت أياما وإن أضحكت فترة أبكت زمنا طويلا، ولذا فهي لا تدوم على حال أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى