مقال

الدكروري يكتب عن مفارقة الروح الجسد

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مفارقة الروح الجسد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

يروي عن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى النبي صلي الله عليه وسلم وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ” إلا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه” متفق عليه، واعلمو أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبه كما قال جل في علاه فى سورة المائدة ” إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت”

 

نعم فإن الموت مصيبة لكن المصيبة الأعظم هي الغفلة عن الموت وعدم تذكر الموت وعدم الاستعداد للموت، ولقد أوعظنا النبي صلى الله عليه وسلم بموعظة من أبلغ مواعظه تلين القلوب وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بالآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم “أكثروا من ذكر هاذم الذات” نعم فإن يوم غفلنا عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب وظهر الفساد في البر والبحر، فاعلمو إن من كان للموت ذاكرا كان للموت مستعـدا، وقال أبو علي الدقاق “من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب”

 

وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين، وكان الحسن بن يسار كثيرا ما يقول”يا ابن آدم نطفة بالأمس، وجيفة غدا، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكرا للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى الناس للآخرة أكثرهم ذكرا للدنيا، وإن أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإن العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب” إذن مما يرقق القلوب التفكر في الموت وفي أحواله وفي القبر وظلماته، فبالله عليك أخي هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية.

 

هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يوماً لك في الحياة، هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك، هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ فهل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ وهل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟ فيا أخي أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول ” رب ارجعون” فلا تغفل أيها الغالي عن الموت فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون، ولقد أعلى الإسلام العظيم من شأن المشاعر الإنسانية، حيث استطاع الارتقاء بها، وتوظيفها التوظيف الحسن الذي يخدم الإنسان، ويبنيه، ولا يهدمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى