مقال

الدكروري يكتب عن الرحمة للرجل السمح

الدكروري يكتب عن الرحمة للرجل السمح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد حث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على رد السلام عند المجيء إلى المجلس وعند الخروج منه، لأن ذلك مدعاة لنشر الطمأنينة والأمان في المجالس، خاصة أن في رد السلام دعاء للجالسين بالسلامة والأمن من المكاره، أما من يأتي ويجلس فجأة دون إلقاء السلام فقد يتوجس منه الجالسين الخيفة، أو يتساءلون عن سر قدومه ودخوله في المجلس فجأة، وكما إن إفشاء السلام ورده مدعاة لتوقير الإنسان واحترامه والتواضع له، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السلام مدخل من مداخل كسب مودة الناس وصداقتهم، لأنه يشعرهم بأهميتهم واحترامهم، ولذلك أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إفشاء السلام حتى على الغريب الذي لا نعرفه، ولقد منّ الله تعالي على المسلمين فجعل الثواب والأجر العظيم على القيام بأمور يسيرة، ومنها إفشاء السلام.

ويعلمنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم السخاء والجود بالسلام وبرده، فقد جعل الله على كل زيادة فيها أجر أعظم، وحسنات أكثر، فككما زاد المسلم في سلامه زاده الله عشر حسنات، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة للرجل السمح فقال صلى الله عليه وسلم “رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” رواه البخاري، وإن السماحه ما هي إلا صور من المعاملات اليومية، التي تقتضي قدرا كبيرا من السماحة، ويعلق ابن حجر رحمه الله على رواية الإمام البخاري بقوله ” السهولة والسماحة متقاربان في المعنى، والمراد بالسماحة ترك المضجرة ونحوها، ومعنى إذا اقتضى، أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، ومعنى إذا قضى، أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق. 

وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم، وأكثر ما تكون الخصومات في المعاملات المالية، والمناظرات الخلافية، والملاسنات الكلامية، وقل أن يسلم فيها من لم يتحل بكرم الخلق، وجود النفس، وسماحة الطبع ، وإن صور السماحة، هو التنازل عن الحق، وإن صاحب السماحة لا تطيب نفسه بأن يحصل حقا لم تطب به نفسه الطرف الآخر، فيؤثر التنازل أو السماحة، إن كان الحق له، وهذا ما كان من عثمان بن عفان رضي الله عنه حين اشترى من رجل أرضا، فتأخر صاحب الأرض في القدوم عليه لقبض الثمن، وتبين له أن سبب تأخره أنه بعد أن تم العقد شعر البائع أنه مغبون، وكان الناس يلومونه كيف تبيعها بهذا الثمن ؟ قال عثمان بن عفان رضى الله عنه ” فاختر بين أرضك ومالك ” ثم ذكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عندما قال ” أدخل الله عز وجل الجنة رجلا، كان سهلا مشتريا وبائعا، وقاضيا ومقتضيا” رواه أحمد، وأيضا من مكارم الأخلاق هو التواضع وذلك لما له من فضائل فهو الأثر الخارجي للكيفية التي يرى العبد نفسه فيها، فإن كان يعظم نفسه أو يقلل منها، فيظهر ذلك في سلوكه مع الآخرين، ولا يتعارض مفهوم التواضع مع مفهوم تقدير النفس، فعكس التواضع التكبر، وإن من صور التواضع هو التواضع في علاقته مع الله تعالى، فيدرك أنه هو صاحب العزة والقوة فيستصغر نفسه، ولا يتكبر في عبادته، وكذلك التواضع في كلامه مع الناس، وكذلك التواضع في تعامله مع من هم أقل منه منزلة، وأن يعاملهم مثلما يعامل أكابر المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى