اخبار عالميه

الرئيس الصينى يجري زيارة لروسيا، وتأثير سياسة أمريكا العدائية لبوتين على تقاربه مع “شى

جريدة الاضواء

الرئيس الصينى يجري زيارة لروسيا، وتأثير سياسة أمريكا العدائية لبوتين على تقاربه مع “شى”

تقرير الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

سيتم تنظيم زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لدولة روسيا، والتى ستتم على الأرجح بعد إنتهاء جلسات البرلمان الصينى، والتى تقام تقليدياً سنوياً فى أوائل الربيع فى شهر فبراير من كل عام.

ويبدو لى أن الرفيق الصينى “شى” نفسه معجب بشدة ببوتين على المستوى الشخصى. ولكن يبدو لى بأن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى شخص “بوتين” ذاته، هو أن الصين تسعى أيضاً رغم قوة علاقتها به، إلى تحديد سعر مرتفع للدعم. فعلى سبيل المثال، تريد بكين تقييد مبيعات الأسلحة الروسية المربحة للغاية للهند، بإعتبارها العدو اللدود للصين عبر سلسلة مرتفعات الهيمالايا على الحدود المشتركة بين الصين والهند. ورغم ذلك، تبنى شركة هواوى الصينية شبكات الجيل الخامس الروسية، بينما تتطلب روسيا تعاوناً صينياً فى كل شىء من أجزاء الطائرات إلى مقايضات العملات بالعملات المحلية للطرفين.

وإكتسبت العلاقات بين روسيا والصين، والتى يصفها الجانبان بأنها شراكة “بلا حدود”، أهمية كبيرة بعد إنطلاق الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢. وبينما فرضت الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على روسيا، أحجمت الصين عن إدانة حملة موسكو العسكرية وإكتفت بالتشديد على الحاجة للسلام. وزادت صادرات الطاقة الروسية إلى الصين بشكل كبير منذ إندلاع الحرب، وأصبحت موسكو أكبر مورد منفرد للنفط للصين. ومع ذلك، هناك حدود خطيرة للغاية لنمط العلاقات “اللامحدودة” بين الصين وروسيا. ففى الوقت الحالى، تؤكد الصين للدول الغربية أنها على الأقل لا تبيع أسلحة أو أجزاء طائرات لروسيا. حيث تشتد رغبة بكين فى عدم وقوعها كضحية للعقوبات نفسها المفروضة على الروس بعد حرب أوكرانيا. لذا فهى تضع حدوداً للعلاقة مع موسكو.

وتلتزم بكين حتى الآن بالحذر فى عدم تقديم دعم مباشر قد يجعلها عرضة لفرض عقوبات غربية عليها بشأن حرب روسيا ضد أوكرانيا. وفى قمة عقدت فى سبتمبر ٢٠٢١ فى دولة أوزبكستان، أقر بوتين بمخاوف لدى نظيره الصينى “شى جين بينغ” بشأن الوضع فى أوكرانيا.

وتمثل زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لروسيا تأكيداً لتضامن بكين مع روسيا خلال إستمرار حملتها العسكرية فى أوكرانيا. وستظهر تلك الزيارة للعالم مدى تقارب العلاقات الروسية الصينية بشكل وطيد.

مع إستعداد الصين وفق ما أكدته بكين رسمياً حول إستعدادها لزيادة التعاون الإستراتيجى مع روسيا على خلفية الوضع الصعب فى العالم بأسره. وفقاً لتحليلات وسائل الإعلام الحكومية الرسمية الصينية.

وفى مكالمة فيديو سابقة تمت عبر رابط فيديو بين الرئيسين “شى جين بينغ وبوتين”، جاء التأكيد بأن الطريق إلى محادثات السلام بشأن أوكرانيا لن يكون سهلاً، وأن الصين ستواصل التمسك بموقفها الموضوعى والعادل بشأن تلك القضية، وفقاً لما بثه التلفزيون الصين المركزى الرسمى فى بكين.

ومن المتوقع زيادة إمدادات الغاز الروسى إلى الصين بعد تلك الزيارة. وهو ما أكده الرئيس الروسى “بوتين” بأن التعاون الروسى – الصينى يزداد كعامل إستقرار على الساحة الدولية. مع تصريحات “بوتين” حول أهمية إستمرار التعاون العسكرى المشترك مع بكين، لتعزيز الأمن الإقليمى والعمل على تطويره مستقبلاً.

وستكون زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لروسيا، بمثابة إعلان مشترك عن الشراكة “بلا حدود”، والتى تم إعلانها بين الطرفين خلال قمة فبراير ٢٠٢٢، وقت إستضافة بكين لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، حيث سعى كلاهما إلى تحدى نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، والضغط من أجل عالم متعدد الأقطاب.

وهنا تقدم موسكو وبكين نفسيهما كثقل جيوسياسى موازن للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الآخرين. كما أجرت موسكو وبكين عدة مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة فى مناطق نفوذهما القريبة، بما فى ذلك مناورات بحرية فى بحر الصين الشرقى لرسالة تحذير لأمريكا وحلفاؤها حول مضيق تايوان.

كذلك، ستحاول الصين خلال تلك الزيارة للرئيس “شى جين بينغ” على زيادة الإستفادة من الإمدادات الروسية من الغاز للإقتصاد الصينى، بإعتبار بكين هى المستهلك الرئيسى للمحروقات، فى الوقت الذى يحاول فيه الأوروبيون التخلص من إعتمادهم على الطاقة الروسية.

وهنا تمتلك الصين الأوراق عندما يتعلق الأمر بالغاز الروسى. فقبل غزو أوكرانيا مباشرة، وقع بوتين إتفاقاً مع “شى” لزيادة صادرات الغاز الطبيعى الروسى إلى ٤٨ مليار متر مكعب سنوياً كصفقة مستقبلية، بدلاً من تحديد نسبة ٤ مليارات متر مكعب روسى متواضع فى عام ٢٠٢٠. وتخطط روسيا أيضاً لإنشاء خط أنابيب جديد، يعرف ب (باور أوف سيبيريا ٢)، الأمر الذى قد يؤدى لتحول صادرات الغاز الروسى من أوروبا بسهولة أكبر إلى الصين.

كما ستعكس زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لموسكو، تأكيداً على رفض بكين لإدانة الحرب الروسية فى مواجهة أوكرانيا علناً، مع إتهام الصين للولايات المتحدة بدلاً من ذلك، بإستفزاز روسيا من خلال الضغط لتوسيع منظمة حلف شمال الأطلسى “الناتو” للإتجاه شرقاً نحو مناطق النفوذ الصينى الروسى المباشر.

ولكن على الجانب الآخر، فمع عدم وجود مؤشرات تذكر على قرب إنتهاء الصراع فى أوكرانيا فى الوقت الحالى، إتخذ الرئيس “شى” خطوات للنأى بنفسه عن نظيره الروسى، ومنها توقيع الصين على بيان خلال قمة مجموعة الـ ٢٠، فى شهر نوفمبر ٢٠٢٢ فى جزيرة بالى الأندونيسية، أكدت الصين مع الدول الأخرى الأعضاء فيها، على إدانتهم بشدة للحرب الدائرة فى أوكرانيا.

كما ساعدت القمة التى تمت بين الرئيس “شى جين بينغ” ونظيره الرئيس الأمريكى “جو بايدن”، على هامش إجتماعات مجموعة العشرين، على تخفيف حدة التوترات بين أكبر قوتين فى العالم، حيث قام الزعيمان بشكل مشترك بتحذير الكرملين فى روسيا، بسبب تصريح روسى، حول قرب إندلاع حرب نووية ضد أوكرانيا.

وجاء أول تعقيب أمريكى على حدث زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لروسيا، عبر المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، فى بيان له، للتعبير عن قلق واشنطن بشأن تحالف الصين مع روسيا، فى ظل مواصلة موسكو غزوها الوحشى وغير القانونى لأوكرانيا، وفقاً للتصريحات الرسمية الأمريكية.

وهنا جاء تحذير الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للصين من عواقب تقديم أى مساعدة عسكرية لروسيا فى حربها ضد أوكرانيا أو مساعدتها على التهرب من العقوبات المفروضة دولياً عليها.

وهنا جاء الإعلان المشترك بين موسكو وبكين على مواصلة تعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية والشاملة بينهما، بالتأكيد على رفض محاولات بناء عالم أحادى القطب تهيمن عليه واشنطن، لأن تلك الهيمنة الأمريكية قد إكتسبت شكلاً قبيحاً فى الآونة الأخيرة. كما جاء رد وزارة الخارجية الصينية، بالتأكيد حول دعم الصين لروسيا فى تعزيز مكانتها كقوة كبرى على الساحة الدولية.

وخلال زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لروسيا، سيتم التأكيد على إستعداد الصين لمواصلة تقديم الدعم المتبادل لروسيا فى القضايا المتعلقة بمصالحهم الجوهرية، مثل قضايا:

(السيادة والأمن، وتكثيف التنسيق الإستراتيجى بين البلدين، وتعزيز الإتصال والتنسيق فى المنظمات الدولية والإقليمية الرئيسية المشتركين فى عضويتها، مثل: “الأمم المتحدة، مجموعة بريكس، منظمة شنغهاي للتعاون”)

وهنا يعارض الرئيس الروسى “بوتين” أية محاولات لأى قوى خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية للصين، مثل: الأوضاع فى إقليم شينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان. مع تأكيد نظيره الصينى “شى”، بأن بكين أصدرت دائماً أحكاماً مستقلة بشأن ما يتعلق بروسيا، وفى مقدمتها حربها ضد أوكرانيا.

ومن المتوقع أن يدعو الرئيس الصينى “شى جين بينغ” خلال الزيارة جميع أطراف النزاع بين روسيا وأوكرانيا إلى إيجاد حل سلمى، مع إستعداد القيادة الصينية للعب دور بناء فى هذه العملية. وبينما دعت الحكومة الصينية فى وقت سابق إلى تبنى السلام بين روسيا وأوكرانيا، أكدت فى ذات الوقت على تفهمها لمخاوف روسيا الأمنية، وإدانة توريد الأسلحة من الغرب إلى العاصمة “كييف”.

وفى نهاية شهر فبراير ٢٠٢٢، إمتنعت بكين عن التصويت على قرار لمجلس الأمن الدولى لإدانة تصرفات الكرملين بشأن أوكرانيا. وذلك على الرغم من ممارسة واشنطن لضغوط على بكين لتبنى موقف أكثر إنسجاماً مع الموقف الغربى، إلا أن الصين رفضت إتخاذ أى مواقف أو إجراءات عدائية تجاه روسيا، التى تصفها دوماً بـ “الشريك الإستراتيجى”.

ومن هنا نستنتج، مدى التضامن السياسى الصينى الكبير مع موسكو. مع زيادة حركة التجارة الصينية الكلية مع الجانب الروسى، وتخلى الصين بشكل أساسى عن دعم أوكرانيا رغم علاقاتهما فى السابق لصالح موسكو، كما وسعت بكين معاملاتها المالية مع الروس من دون إستخدام عملة الدولار أو اليورو، وضاعفت التعاون المستقبلى لتطوير التكنولوجيا العسكرية مع روسيا أثناء إجراء التدريبات العسكرية الروسية الصينية المشتركة فى منطقة المحيط الهادئ.

وفى إعتقادى الشخصى، بأن القلق الأمريكى ذاته ليس من تحالف رسمى روسى – صينى مشترك، بل الخوف فى توافق سياسات الدولتين اللتين تتبعان نظامين سلطويين مختلفين وفقاً لتصنيف أمريكا والغرب، وتعارضان النظام العالمى الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت دولياً، ومن ثم فإن تعاون الطرفين معاً قد يعيق من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ بعض أهدافها الدولية، ومن ثم التأثير على النفوذ الأمريكى دولياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى