مقال

” د شيرين العدوي ” تكتب : الوعي بالتوسط

جريدة الاضواء

” د شيرين العدوي ” تكتب : الوعي بالتوسط

الشخصية المصرية تعد من الشخصيات التى تتميز بالحد الوسطى أو الوسط الذهبى، بمعنى عدم التطرف، فهى شخصية يطلق عليها ابن المرونة على حد قول جمال حمدان فى كتابه شخصية مصر، فهى دليل على التكيف والتأقلم، وهذه الميزة هى ما حققت لها الخلود لآلاف السنين، فمرونة الأسلوب المصرى حققت الأمن والسلام وهى دليل على عبقرية شعب عظيم. لقد اكتسب الشعب المصرى طابع الاعتدال بفضل الثوابت والمتغيرات الجغرافية والتاريخية الطبيعية والبشرية، فهى ذات طابع قومى ومن ثم تميل الطوابع القومية إلى الثبات والاستمرارية عبر العصور، ولو تغيرت فبالتطور التدريجى الوئيد، وليس بالطفرات الثورية الحادة.

ولكى نعى ما نحن فيه مع ثورة التطور الحضارى فإننا لم نختر موقعنا الجغرافى، فقد حكم علينا أن نعيش بين الشمال والجنوب بين الشرق والغرب سواء بكتلة سياسية أو منطقة حضارية كل أولئك دون أن نتبع أيا منها وهكذا ففكرة التوسط كامنة فى موقع مصر الجغرافي . إن أحادية البيئة المصرية وفقرها النوعى فى المعادن والأخشاب قد دفع بها إلى البحار وماوراء البحار. وكان حظ مصر من الوقوع على بحرين دافعا إلى نشاطها التاريخى فى المنطقة، ومع أهمية البحر الأبيض المتوسط فإن البحر الأحمر مهم جدا فى التاريخ والسياسة والاستراتيجية، ورغم أن العلاقة بين البحرين لا تخلو من الجذب والتنافس فإن هناك تنافسا ما قد تم بين البحر الأحمر وموانيه المصرية وبين الخليج العربى وموانيه العراقية خلال العصور الوسطى الإسلامية، وكان هناك دائما توازنات بين بحرنا الشرقى وموانى الأحمر وبين بحرنا الشمالى وموانينا المتوسطية فى الجانب الآخر.

ولعل شق قناة السويس أعاد الثقل المطلق إلى البحر المتوسط وأعاد البحر الأحمر إلى مكانه الطبيعى، حيث كان دور مصر فى البحر الأحمر أكبر نسبيا من دورها فى المتوسط، بمعنى أن دولا أخرى مطلة على المتوسط لعبت أدوارا أكبر من دور مصر، لكن مصر هى التى لعبت أهم وأخطر دور إذا وضعنا البحر الأحمر في الحسبان حتى إننا يجوز أن نقول عليه بحرا مصريا أو بحرا فرعونيا كما وصفه ابن جبير فى كتابه رحلة ابن جبير، فعلى الرغم من أن دور مصر الحضارى والاستراتيجى على البحر المتوسط يظل مهما، لكنه يمثل جزءا من كل بينما البحر الأحمر بالنسبة لمصر يمثل الكل من الكل، ولعل مصر كانت القوة العسكرية الوحيدة على الإطلاق طول التاريخ، فإنها اليوم هى محور استراتيجية البحر الأساسية والحربية، والمنوط بها الدفاع عنه قبل أى أحد، وهى وإن لم تكن صاحبة أطول ساحل على البحر، فإنها تملك أخطر ساحل وموقع فى البحر جميعا. وقد نجحت البحرية المصرية فى حرب أكتوبر من إغلاق البحر على العدو وحصاره فيه بحريا، بعد أن نقلت مفتاح البحر من قطبه الشمالى إلى قطبه الجنوبى. ولذلك التهديدات الدائرة الآن والتى يجب أن نكون على وعى بها هى تهديدات راهنت على الشخصية المصرية ومرونتها وتأقلمها، لكنها لم تع أن الأمن القومى الذى جعل مصر بحكم موقعها متوسطية فى قراراتها وخطواتها لن يجعلها تقبل بالاعتداء على مقدراتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى