مقال

الدكروري يكتب عن المروءة والشهامة في فتح مكة

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المروءة والشهامة في فتح مكة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
عندما قسم النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم الجيش الإسلامي في فتح مكة إلي أربع فرق وعليهم أربعه من القادة العظماء، فقد دخل القائد الفاتح العظيم خالد بن الوليد مكة وحصل قتال بالخندمة تم قتل فيه بعض المشركين، واستشهد فيها عدد من الصحابة إلى أن التقوا مع النبي صلي الله عليه وسلم عند الصفا، وغرس الزبير لواء رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحجون عند مسجد الفتح مُنتظرا إلى أن وصل إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم الثلاثاء، في السابع عشرمن شهر رمضان، ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف مثلا من أروع أمثلة المروءة والشهامة، وكذلك من أروع أمثلة التجرد لله والحرص على الدعوة، ولقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم.

يتحاور مع أبي سفيان بن حرب بطريقة إقناعية فيها البحث عن الحجة والدليل، مع أن السيف كان الحل الأمثل عند عامة القواد والزعماء، وقد أجاب أبو سفيان بن حرب إجابة غير شافية لا تدل عن قناعة كاملة بتوحيد الله، ولكنه على كل حال لم يرفض، لكن عندما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيمانه بنبوته صرح أبو سفيان أنه ما زال يشك في هذا الأمر، وهنا هدده العباس رضي الله عنه بأن قتله أصبح وشيكا، ولا يحفظ دمه إلا الإسلام، فأسلم عندئذ أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه، وإن الذي فعله العباس رضي الله عنه ليس إكراها في الدين، بل هو رحمة بأبي سفيان، ورحمة بكل قريش، فإن قتل أبي سفيان في هذا الموقف لا يستنكره أحد، ولا ترفضه أعراف الدول لا في القديم ولا في الحديث.

فهو يصنف في القانون الدولي الحديث على أنه مجرم حرب لأنه قام بتدبير منذ سنتين محاولة قتل جماعي لأهل المدينة المنورة، ونقض منذ أيام قليلة عهدا بينه وبين المسلمين، راح ضحية نقضه عدد من الرجال والنساء قتلى، بل إن الذي يمكن أن يتوقعه أي متابع للأحداث أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أبي سفيان في هذا الموقف، ويظن أنه ما فعل ذلك إلا تقيه، وخوفا من القتل ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُظهر شكا في إيمان أبي سفيان، بل قَبل منه ببساطة، ولم يناقشه أو يستوثق منه، بل عفا عنه في لحظة واحدة، ولقد تناسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحظة واحدة كل الذكريات المؤلمة، والجراح العميقة ، فقلبه صلى الله عليه وسلم لا تغزوه الأحقاد، ولا سبيل للشيطان عليه.

ولو انتهت القصة عند هذا الحد لكانت آية من آيات العفو والتسامح، لكن الذي حدث بعد ذلك يتسامى ويرتفع فوق درجة الأخلاق التي نعرفها، فلا يمكن أن يفسر إلا بأنه صلى الله عليه وسلم نبي كريم، فلقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان في هذا الموقف ما يكفل له الفخر أبد الدهر، إنه صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بإعطاء الأمان لأبي سفيان، بل أعطى الأمان لكل من يدخل دار أبي سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم “من دخل دار أبو سفيان فهو آمن ” وإننا لا يمكن أن نتصور مدى النبل الذي في هذا الموقف إلا أن نضع أنفسنا في الموقف ذاته، ولنكن صادقين مع أنفسنا، وليكن العالم صادقا مع نفسه، فهل يفعل ذلك أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى