مقال

مشوار التغيير والإصلاح طويل لكن ضروري

جريده الأضواء

مشوار التغيير والإصلاح طويل لكن ضروري
كتب / يوسف المقوسي

بأي حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة في التاريخ الحديث للمنطقة التي نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جدا تحديد نقطة بداية هذه المرحلة وبطبيعة الحال يصعب أيضا وربما أكثر التنبؤ بلحظة نهايتها .

اجتمعت على منطقتنا وشعوبها في هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد. يواكبها في أحسن الظروف انحسار في الديموقراطية وفي احترام الحقوق الإنسانية وإنكار متعمد أو رخيص لمبادئ سيادة القانون وانتشار البطالة بكل أشكالها. يلحق بها التضخم بكل صوره ودرجاته وينتشر الفساد. أفلتت دول أو قطاعات فيها وغطست دول أخرى بكاملها أو انفرطت.

اهتزت الأرض تحت مدينة مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المملكة المغربية، سبقتها في تركيا هزة ليست أقل عنفا وتدميرا والهزتان خلفتا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد في البلدين. مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالا مماثلة، أي لم تولد بعد، في دول في المنطقة تهاونت في إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية وبعضها استمر يشجع لأغراض جيو سياسية لم تكن خافية.

في ليبيا شن إعصار قادم من الغرب هجوما بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضاريا لم تنج منه مسئولية الفوضى السياسية الناشبة في ليبيا. اتهم حكام الغرب في طرابلس حكام الشرق في بنغازي، اتهموهم بالتقصير واتهموا معهم الفساد وظهر من خارج ليبيا من اتهم المؤامرة الدولية التي دبرت وخططت لنشوب الإعصار . وكما هي العادة في هذا الإقليم العابر للحضارات العظمى يسرع البعض ليلقي بالمسئولية عن كارثة أو مصيبة على نصوص تاريخية أو دينية أو أسطورية قابلة لتفسيرات شتى.

لم تقتصر أوجاع الشعوب في الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك في انتسابه بالكامل إلى الطبيعة فللإنسان دور في الإساءة إلى المناخ ودفعه نحو ارتكاب الكوارث الواحدة بعد الأخرى. الإنسان أيضا مسئول عن كارثة سورية والسوريين. شعب خلاق في تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية وصراعات إقليمية وأطماع دولية في الطاقة وفي مصادر القوة والهيبة. الإنسان مسئول أيضا عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره وهجرة خير زهراته وتهريب ثروته النقدية وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة وإعادة بعض كراسي السلطة إلى رجال الدين أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وتنازلت عن مكانتها عروسا للشرق الأوسط.

كان الأمل أن ينشأ السودان واحدا مكتملا ويبقى واحدا مكتملا. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين وهو الآن مرشح ليزداد عددا وضعفا. ثرواته مثل كل ثروات أفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه على دول الجوار وفي معسكرات لاجئين أو تبعثر في الصحاري وعلى الحدود. يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة في شمال السودان ترث أرضا سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة. مرة أخرى يتدخل التاريخ ليعيد لنا صراعات نشبت بين شعوب تاريخية كان الظن أن القرون العديدة والحضارات الجديدة طوتها أو على الأقل كتمت صوتها .

للأسف وبموافقة بعض القادة العرب الذين يستعينون بقوى خارجية للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذري في بعض مجتمعات الشرق الأوسط. مرت سنوات معدودة وفي أثرها قامت قوى عسكرية مزودة بخبراء سياسيين، وبينهم الرجل الذي نقل فكرة التدخل الخارجي، بترتيب عملية غزو للعراق لتحقيق التغيير المنشود، وبالفعل ما يزال العراق يحاول التأقلم مع ظروف ومكونات مختلفة، سواء في داخله أو على جميع حدوده الخارجية، جميعها بدون استثناء .

لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث في نظام توازن المكانة والهيبة والقوة في النظام العربي، صارت مطروحة الحاجة إلى نظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة في المنطقة. المواكبة التي أتحدث عنها أقصد بها توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربي ليصبح مؤهلا للتعامل مع هذه الكوارث وعوامل النحر الأخرى التي أضعفت قدرات النظام العربي القائم منذ أكثر من سبعين عاما. المواكبة يمكن أيضا أن تأخذ شكل إقامة نظام إقليمي آخر، شرق أوسط جديد مثلا تجتمع في ظله كافة التفاعلات القائمة بين جميع دول الشرق الأوسط، أي الدول العربية ودول جوارها كتركيا وإيران وما يستجد بتدخل قوى دولية.

لا أمل في استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعي إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربي والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف أو السعي والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربي بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث أو إعادة بث روح ” قومية” في شرايين الأمة وخطاباتها السياسية وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمي قوي في الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا وفي الفكر العسكري والأمني، فيها جميعا أو في واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضروري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى