مقال

أبي ذر يطرح رأسه في طريق بلال

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أبي ذر يطرح رأسه في طريق بلال
بقلم / محمــد الدكــروري

الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين عظيم العطاء، وصاحب الكرم والجود والسخاء، يصطفي بالفضائل من عباده من يشاء، المعطي لمن اختصه بقضاء حوائج العباد عظيم الجزاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الموصوف بنبي الرحمة، والمؤنس للفقراء والضعفاء، فاللهم صلي عليه صلاة ذاكية نامية ما دامت الأرض والسماء، فهو الذي أرسل عددا من أصحابه رسلا لدعوة الملوك والأمراء إلى توحيد الله سبحانه وتعالي، فمن الملوك من أسلم ومنهم بقي على دينه، ويذكر من تلك الدعوات هو إرسال الصحابي عمرو بن أميّة الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، والصحابي حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر، والصحابي عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس.

والصحابي دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم، والصحابي العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين، والصحابي سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة، والصحابي شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، والصحابي عمرو بن العاص إلى ملك عُمان جيفر وأخيه، أما بعد فإننا نجد هذا ظاهرا وواضحا في قصة من أجمل وأروع القصص بين الصحابي الجليل أبوذر الغفاري وبين سيد المسلمين بلال بن رباح، فقيل اجتمع الصحابة في غزوة من الغزوات، ولم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فجلس خالد بن الوليد، وجلس ابن عوف وبلال وأبو ذر وكان أبو ذر فيه حدة، لا يصبر ويندفع بسرعة، فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح.

يقول أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا، فقال بلال لا،هذا الاقتراح خاطئ ؟ فقال حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني “لا إله إلا الله” فقام بلال مدهوشا مرعوبا غضبانا أسفا وقال والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أكبر هيئة، ومن هو بلال ؟ روح الإسلام، ومنادي السماء، بلال هو الصوت الحبيب إلى القلوب بلال هو الذي سُحب على الرمل، وهو يقول أحد أحد، فوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أما سمعت أبا ذر ما يقول فيّ؟ يقول فيّ يا ابن السوداء فتغيظ عليه الصلاة والسلام، ولما سمع أبو ذر فاندفع مسرعا إلى المسجد، فقال يا رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فغضب عليه الصلاة والسلام حتى قيل ما ندري هل رد أم لا؟ وقال “يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية”

هذه كأنها صاعقة على أبي ذر، فبكى أبو ذر وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جلس، وقال يارسول الله استغفر لي، سل الله لي المغفرة، وفي النهاية أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فجلس واستدعى بلالا، وطلب منه أن يسامح أبا ذر، أما أبو ذر فخرج من المسجد باكيا، فقد ذهب فطرح رأسه في طريق بلال، وأقبل بلال العبد، الذي ماكانت تقيم الجاهلية له قيمة أتى أبو ذر فطرح خده على التراب مباشرة، وقال والله يا بلال لا أرفعه حتى تطأه برجلك، وأنت الكريم وأنا المهان، رفع الله منزلتك يا أبا ذر ورضي الله عنك، وهنا يقول تعالي في سورة الأنفال ” وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم” فأتى بلال فأخذ يبكي من هذا الموقف، فمن الذي يستطيع أن يقف هذا الموقف ولا ينصدع قلبه؟

فإن بعضنا يسيئ إلى البعض عشرات المرات، ولا يقول عفوا يا أخي أو سامحني، فإن بعضنا يجرح بعضا في عقيدته وشرفه وأغلى شيء في حياته، ولا يقول سامحني، لكنه قال والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك، فبكى بلال واقترب فقبل خده، وقال ذاك الخد ما يصلح للقدم يصلح للقبلة، ذاك الخد أكرم عند الله تعالي من أن يوضع عليه القدم، ثم قاما وتعانقا وتباكيا، فهذه حياتهم يوم تعاملوا مع الإسلام فليس عندنا ألوان، ولا أبيض ولا أحمر ولا أسود، فيقول تعالي ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى