مقال

وفاء الإنسان لوعده

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن وفاء الإنسان لوعده
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 12 نوفمبر 2023

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، إن حال المستدين بالليل هو هم وحزن وغم، أما بالنهار فإنه تعلوه غيوم الذل والإدانة، وسحوب الاحتقار والإهانة، يحتقر نفسه قبل أن يحتقره غيره، يتوارى عن الأنظار من سوء ديونه، قليلا ما يحضر الأفراح، خوفا من لقاء صاحب الديون فينال منه بالأتراح، ويجرح إحساسه بالأقراح، يهرب منه خوفا من أن يسأله عنها ويفضحه، فيدفعه ذلك إلى أن يكذب عليه، فيعد بما لا يستطيع الوفاء به، ويخون أمانته وإيمانه، فيجب على المسلم أن يتبع في حياته الإعتدال والإقتصاد، حتى لا يلجأ إلى الاستدانة، ولكن إذا دفعته الضرورة بسبب ظروف الحياة إلى ذلك، وجب عليه أن يعقد العزم على التعجيل بالوفاء.

وأن ينوي المبادرة في دينه بالقضاء، ليكسب بذلك من الله تعالى المعونة والتأييد في الأداء، حيث قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” من أخذ أموال الناس وهو يريد أداءها أداها عنه الله، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ” رواه البخارى، وإن المشكله ليس مشكلة في الديون، وإنما المشكله في السداد والأداء، وقد كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها تستدين من غير حاجة وهي غنية، ثم ترد دينها على الفور، فلما سئلت عن ذلك؟ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” من استدان وهو ينوي السداد كان الله في عونه حتى يسدد دينه ” فأحب أن يكون الله في عوني دائما، وكما إن أول مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له، وهذا فرض لازم وحق واجب لا يحول عنه إلا خبيث المحتد، لا خلاق له ولا خير عنده.

وقال أيضا الوفاء مركب من العدل، والجود، والنجدة لأن الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به، أو من أحسن إليه فعدل في ذلك، ورأى أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ فجاد في ذلك، ورأى أن يتجلد لما يتوقع من عاقبة الوفاء فشجع في ذلك، وعن عوف بن النعمان الشيباني أنه قال في الجاهلية الجهلاء لأن أموت عطشا، أحب إليّ من أكون مخلاف الموعدة، وعن عوف الكلبي أنه قال آفة المروءة خلف الموعد، وقال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي “أنجز حر ما وعد” وقالت الحكماء لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له، واصطناع من لا شكر عنده، والكريم يود الكريم عن لقية واحدة، واللئيم لا يصل أحدا إلا عن رغبة أو رهبة، وقيل أوصت أعرابية ابنا لها، فقالت يا بني، اعلم أنه من اعتقد الوفاء والسخاء.

فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم فإنها تنبت السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي أهلها الأمرين، وإن جوهر كون المرء إنسانا هو ألا يسعى إلى الكمال، وأن يكون المرء أحيانا مستعدا لارتكاب ذنوب من أجل الوفاء، وألا يصل المرء في زهده إلى الحد حيث يجعل التواصل الودي مستحيلا، وأن يكون المرء جاهزا في نهاية المطاف لأن يهزم ويحكم من الحياة، والذي هو الثمن الحتمي لتثبيته حبه لأفراد بشر آخرين، وماذا تكون العفة، والأمانة، والصدق، والوفاء، والبر، والإحسان، وغيرها، إذا كان، فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار، وإن من علامة وفاء المرء ودوام عهده، حنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى