مقال

الإنسانية التي تنطلق من العقيدة

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإنسانية التي تنطلق من العقيدة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 26 ديسمبر

الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العُلا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله نبي الرحمة والهدى، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار النجباء، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور والجزاء، أما بعد اتقوا الله عباد الله، حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فإن الله أمر بمجاهدة النفس على لزوم الطاعة، والبعد عن المعصية، وهو مجاهدة النفس والهوى، ومجاهدة النفس من أهم المهمات، وهو الجهاد الأكبر وهو حق الجهاد، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم “المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله” رواه أحمد، وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم لمن سأله عن الجهاد ابدأ بنفسك فجاهدها.

وابدأ بنفسك فاغزها، وإن مجاهدة النفس يكون بحملها على اتباع أوامر الله تعالى، والوقوف عند حدوده، واجتناب نواهيه، ومخالفة الهوى، وفطامها عن الشَّهوات، وتزكيتها بالأعمال الصالحة، لتفضي إلى الفلاح، ولجهاد النفس مراتب ينبغي معرفتها، وقال ابن القيم رحمه الله جهاد النفس على أربع مراتب الأولى هو مجاهدتها على تعلم الهدى ودين الحق، والثانية هو مجاهدتها على العمل به بعد علمه، والثالثة هو مجاهدتها على الدعوة إلى الحق، والرابعة هو مجاهدتها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله تعالي، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم.

فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات، وجهاد النفس على الطاعة والمثابرة على أداء الواجبات من أفضل الأعمال، ولا يكمل إيمان العبد إلا بالصبر، وكبح جماح النفس عن الانزلاق في المحرمات، والعبد إذا صبر على أداء الواجبات على وجهها، وحبس نفسه عن مقارفة السيئات تعبدا وامتثالا لأوامره سبحانه أورثه ذلك طمأنينة وراحة نفسية، وأحس من نفسه محبة للطاعة، وكرها للمعصية فتصير صفة من صفاته، فإذا حقق المجاهدة حصل له عون من الله، فسدده ووفقه، وهيأ له أسباب ذلك، ويكون هواه فيما يحبه الله ويرضاه، فقال صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به” وهذه علامة من علامات كمال إيمان العبد، كما أن يلزم مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، في ترك المحارم.

واعلموا يرحمكم الله إن الإسلام هو دين الإنسانية الحقة، الإنسانية التي تنطلق من العقيدة الإسلامية، وتتعامل مع الناس وفق الخلق الإسلامي القويم، وإنسانية هذا الدين تعم كل البشر، فلا تفرق بين أسود وأبيض، ولا تتغير وفق المصالح والأهواء، ولا تتبدل حسب القوة والسلطان، كما نراه في واقعنا اليوم، من أدعياء الإنسانية المزيفة، التي يتشدقون بها أمام العالمين، وهم يحتكرونها لبني جنسهم فقط، ولأهل ملتهم وحدهم وقد بعث الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالرحمة العامة للخلق كافة، بل وللإنس والجن، كما قال تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” أي أرسله رحمة لهم كلهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قيل يا رسول الله، ادع على المشركين، قال “إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة” رواه مسلم، فهو رحمة لكل من في الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى