دين ودنيا

الدكروري يكتب عن لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 3 يناير

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، ثم أما بعد تقول كتب التاريخ لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة، كان للخليفة قبله ثلاثمائة شرطي، أي في ثياب الشرط، وثلاثمائة حارس في ثياب عادية من أجل أن يدفعوا عنه، ويمنعوا من يريده بسوء، فلما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة، وأخبره رجاء بن حيوة أنه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، وصعد على المنبر وخطب في الناس، ثم نزل تبعه هؤلاء الحرس، فالتفت إليهم رحمه الله، وقال لهم إن لي عنكم بالأجل حارسا وبالقدر حاجزا.

فمن أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء أن يلحق بأهله فليفعل، فسرحهم جميعا لأنه رجل مؤمن يعلم أن الأجل واحد، ويعلم أن الله وكل بالعبد ملائكة يحفظونه من أمر الله، ويؤمن بهذا يقينا فلا يحتاج إلى حارس، ومن مظاهر التهاون بالمال العام أن أموالا كثيرة تنفق على حفلات ما أنزل الله بها من سلطان، فالبلاد كلها تضاء أنوارها، وتزين شوارعها، وتلصق صور الزعيم في كل مكان، تارة احتفالا بيوم مولده، وتارة احتفالا بعيد ثورته، وتارة بيوم انتصاره على خصومه، وهكذا يهدر المال، وفي الناس فقير محروم، وأسير مقهور، ومسكين جائع، ومريض ضائع، فهذا كله لا يهم، وكما أن من مظاهر إتلاف المال في غير فائدة هو أن أموالا تبذل لشراء الذمم، لشراء الأقلام التي تنافق، وتدبج المقالات.

لشراء الحناجر التي تصرخ وتصور هزائم الزعيم انتصارات، وإخفاقاته إنجازات، أموال تصرف على هؤلاء جميعا من أجل تزيين الباطل، ومن أجل أن يكتب أحدهم، أو ينطق بما يسود الله به وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وفي الوقت نفسه يمسك المال عن وجوه أمر الله بإنفاقه فيها، فيمسكه عن الدعوة إلى الله، وعن الجهاد في سبيل الله، وعن إغاثة الملهوفين، وإطعام المحرومين، وكسوة العارين، وإيواء المشردين، وغير ذلك من وجوه جعل الله لها أولوية وأهمية، فهذا الذي يحصل أيها المسلمون عباد الله في بلاد المسلمين، وإن المطلوب منا جميعا حكاما ومحكومين أن نعلم علم اليقين أنه “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومن بينها، عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟

والله جل جلاله سائل كل منا عن هذا المال، ولذلك قال من نور الله قلوبهم إن الإنسان إذا مات فإنه يبتلى بمصيبتين عظيمتين الأولى أنه يفقد ماله كله، والثانية أنه يحاسب عليه كله، فيا من تمد يدك إلى المال العام فتسرق منه، اعلم بأنك عما قريب تاركه، ومخلفه وراء ظهرك، وسيرثه أولادك وأحفادك وأزواجك، ثم بعد ذلك يحاسبك الله عز وجل عن النقير والقطمير، أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه ردا جميلا، وأن يطعمنا حلالا، وأن يستعملنا صالحين، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يختم لنا بالحسنى، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى