مقال

الدكروري يكتب عن أول من إنقاد إلى الحق

الدكروري يكتب عن أول من إنقاد إلى الحق
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 3 مايو 2024

الحمد لله جعل الحمد مفتاحا لذكره، وجعل الشكر سببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، قضاؤه وحكمه عدل وحكمة، ورضاه أمان ورحمة، يقضي بعلمه، ويعفو بحلمه، خيره علينا نازل، وتقصيرنا إليه صاعد، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطانا، ولا أن نتقي إلا ما وقانا، نحمده على إعطائه ومنعه وبسطه وقدره، البرّ الرحيم لا يضيره الإعطاء والجود، ليس بما سُئل بأجود منه بما لم يُسأل، مُسدي النعم وكاشف النقم، أصبحنا عبيدا مملوكين له، له الحجة علينا ولا حُجّة لنا عليه، نستغفره ونتوب إليه مما أحاط به علمه وأحصاه في كتابه، علم غير قاصر وكتاب غير مغادر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد البشر أجمعين ورسول رب العالمين.

فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد مرضت امرأة مسكينة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا ماتت فآذنوني” فأخرج بجنازتها ليلا، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر بالذي كان منها، فقال “ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟” قالوا يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات” رواه النسائي، وقد استقى الصحابة الكرام، والصالحون بعدهم هذا الهدي النبوي الكريم.

فجسدوه في علاقاتهم بالفقراء والمحتاجين، فكانوا يرقون لحالهم، ويواسون عوزهم، ويسدون خلتهم، ومن عجيب ما نقله ابن كثير في البداية والنهاية عن عبد الله بن المبارك، وشديد اعتنائه بالمحتاجين قوله خرج مرة إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه، وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة، إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، ثم لفته، ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال، فظلم، وأخذ ماله، وقتل فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله كم معك من النفقة؟

قال ألف دينار، فقال عُدّ منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع، وفي الغالب أن الرؤساء والأشراف والأغنياء والمترفون، وأهل الحل والعقد، يداخلهم من الكِبر والعناد والغطرسة وعدم قبول الحق ما لا يداخل غيرهم والعياذ بالله وهذا في كل أمة من الأمم، فما وقف أمام دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام وصار عقبة كؤودا أمام الحق والدعوة إلا أولئك المُشار إليهم، يعلم ذلك من تدبر القرآن الكريم،أما الضعفاء والمستضعفون والفقراء والمساكين فهم أول من انقاد إلى الحق، وأول من استجاب لدعوة الرسل، فالله تعالى يعلم من يستحق الهداية ممن لا يستحقها، فالله تعالى لا ينظر إلى الصور، وحُسن الأجسام والأموال، إنما ينظر إلى القلوب والأعمال.

ولهذا قال هرقل عظيم الروم لأبي سفيان مَن يتبع هذا النبي أهُم الرؤساء أم الضعفاء؟ فقال أبو سفيان بل الضعفاء، فقال هرقل هكذا أتباع الرسل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى