مقال

بحور النسيان

جريدة الاضواء

بحور النسيان

بقلم : على امبابي

هناك فترات من الزمن تأتى على الإنسان يحتاج فيها أن يفرغ ما بحوزته من أفكار ، أن يفيض بما يجول فى خاطره ، اليوم تأتى فكرتى عن النسيان ، النسيان فى ظاهره آفة وسيئة يحاسب عليها الإنسان ، لكنه فى الحقيقة من نعم الله على خلقه ، ولنسأل أنفسنا سؤال واقعي ومنطقة .

ماذا لو تحكم الانسان في نفسه وذاكرته وأصبح هو من يدير عملية النسيان ؟ ماذا لو أصبح قادراً على نسيان ما يكره وتذكر ما يُحب !
أسئلة كثيره وربما تكون عجيبه تاتى على شاشة عقلي ليلاً قبل الخلود إلى النوم، تلك الاسئله تحاول أن تجرفنى مثل التيار لرحلة من التأمل والتفكر في حكمه الله في خلقه.

تعالوا نسئل أنفسنا هل من الممكن أن يكون النسيان هو المفتاح الذهبي لحياة جديدة ممتلئة بكل ما هو مريح للإنسان ؟
دعونا لا نتسرع في الإجابة عن الاسئلة السابقة ، دعونا نفكر بتريث ، ولنتأمل معا في المحتوى الفلسفي للنسيان.

كما قلنا سابقا أن النسيان أساسه نعمة من نعم الله . لكن هل هذه النعمة خالية من اللعنات؟

لاشك أن النسيان الذى يتم بناء على قصد منا وباختيارنا وهذا ما نسميه التناسي قد يبدو وكأنه انتصار على الألم، لكنه في الواقع يمكن أن يسلبنا جزءًا من إنسانيتنا. فالذكريات الاليمه تعلمنا الرحمة، الصبر، والتفهم لألم الآخرين.
إنها تجعلنا أكثر عطفا وتُعمقا من إنسانيتنا. وربما، في أحلك لحظاتنا، نجد فيها الدافع لمساعدة الآخرين الذين يعانون من آلام مشابهة.

و ربما يأتى رأى لاحدنا ويقول ، أن هناك ذكريات تظل مؤلمة لدرجة أن الحياة تبدو معها شبه مستحيلة ، قد يبدو النسيان بمثابة نعمة، وسيلة للتحرر من قيود الماضي وفرصة للتعافى والاستشفاء والبدء من جديد.

هل نحن حقًا قادرين على أن نختار ما نريد أن نتذكره وما نريد أن يكون فى غياهب النسيان؟
أم أن تلك القدرة هى فى الأساس تعتمد على التعايش مع جميع جوانب تجربتنا الإنسانية، مع القسوة والمتعة، المكسب والخسارة ، النجاح والفشل ؟

لك أن تتخيل معي أنك تقوم بتنظيف ذاكرتك مما يتسبب فى المك ، تمحو كل انتكاسة وانكسار ، كل لحظة الم او هجران عانيت منها.
هنا تُبقى فقط لحظات السعادة والحب والفرح ، لكن الأمر يبدو وكأنه بداية جديدة، وصفحة لم يكتب فيها اى خط أو اى حرف ولكن، هل سيكون لهذه الصفحة الخالية من اى شيىئ نفس القيمة إذا لم تكن مليئة بالدروس التي تعلمناها من التجارب السابقه الصعبة؟

من المعلوم بالضرورة أن الفرح والضيق أو الحزن وجهان لعملة واحدة، كل منهما يعطي الآخر قيمته. الفرح يكون جميلا لأنه ولد من رحم المعاناة ، والنجاح يتم تقديره لانه أتى وهو على شفا الفشل ، والحب يأتى عميقا لأننا احسسنا بالوحدة. من دون هذه التجارب لن نشعر بالقيمة الحقيقية للحياة التى نعيشها .

إن التأمل في هذا الأمر يدعونا لتقدير الحكمة العظيمة للخالق العظيم في التركيبة الإنسانية التى خلقها الله سبحانه وتعالى ، لربما اكتشفنا أن الجمال الحقيقي لتلك الحياة يكمن فى المقدرة على احتواء الجميع من حولك و ليس في تحرير أنفسنا من ذكريات الماضي الأليم ، في تعقيداته ومتناقضاته في نهاية المضمار فى هذه الحياة ، كل حدث اليم او مفرح ، تشكل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الخاص بهويتنا الذي نحيكه ونتحاكى به فى حياتنا.

فنحن نتذكر ما يكفينا لكى نتعلم ونكبر وتزداد نموا ونسعى لنسيان مايجعل حياتنا تستمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى