مقال

فى ظلال الهدى النبوى ومع العزير عليه السلام ” الجزء الثانى “

فى ظلال الهدى النبوى ومع العزير عليه السلام ” الجزء الثانى ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع العزير عليه السلام، وقيل عن وفاة العزير عليه السلام إنه مدفون في دمشق، وقد نقل ذلك عن ابن كثير رحمه الله، وإن السبب الذي جعل اليهود تزعم أن عزيرا ابن الله هو ما ذكره جماعة من المفسرين ومنهم السيوطي في الدر المنثور، حيث قال رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ” يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ثم انظر كيف نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير، من إحياء الموتى وغيره، قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منازله، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت عرفته وعقلته، فقال لها عزير يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر، قال فإني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني، قالت فإن عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك فإن كنت عزيرا عرفتك، فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحتا، وأخذ بيدها فقال قومي بإذن الله فأطلق الله رجلها، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت أشهد أنك عزير.

فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة، وبنو بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها، فقالت أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي، وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير، فقالت بنو إسرائيل فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة في ما حدثنا غير عزير، وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا، وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة، وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل فمن ثم قالت اليهود عزير ابن الله للذي كان من أمر الشهابين وتجديده للتوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل، وإن الله تعالى قد وصف اليهود وأخبر عنهم بأنهم مغضوب عليهم، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” من لعنه الله وغضب عليه ” وقال تعالى أيضا كما جاء فى سورة البقرة ” فباءوا بغضب على غضب” وقد وصف الله تعالى النصارى بالضلال فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” ولا تتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا” وأما عن سبب ذلك فقد قال الطبري في تفسيره.

وكل حائد عن قصد السبيل وسالك غير المنهج القويم فضال عند العرب لإضلاله وجه الطريق، فلذلك سمى الله عز وجل النصارى ضلالا لخطئهم في الحق منهج السبيل، وأخذهم من الدين في غير الطريق المستقيم، فإن قال قائل أوليس ذلك أيضا من صفة اليهود؟ قيل بلى، فإن قال كيف خص النصارى بهذه الصفة، وخص اليهود بما وصفهم به من أنهم مغضوب عليهم؟ قيل إن كلا الفريقين ضلال مغضوب عليهم، غير أن الله جل ثناؤه وسم كل فريق منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، ولم يسم واحدا من الفريقين إلا بما هو له صفة على حقيقته، وإن كان له من صفات الذم زيادات عليه، وفي التفسير القيم لابن القيم رحمه الله أنه انقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى الأقسام الثلاثة، لأن العبد إما أن يكون عالما بالحق، أو جاهلا به، والعالم بالحق إما أن يكون عاملا بموجبه أو مخالفا له، فهذه أقسام المكلفين، لا يخرجون عنها البتة فالعالم بالحق العامل به هو المنعم عليه، وهو الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وهو المفلح وقال الله تعالى ” قد أفلح من زكاها” والعالم به، وأما المتبع هواه هو المغضوب عليه، وأن الجاهل بالحق هو الضال، والمغضوب عليه هو ضال عن هداية العمل والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به، ومن هاهنا كان اليهود أحق به، وهو متغلظ في حقهم.

فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فباءوا بغضب على غضب” وقال الله تعالى ” قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاعوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل” وإن الجاهل بالحق هو أحق باسم الضلال، ومن هنا وصفت النصارى به في قوله تعالى ” يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل ” فالأولى في سياق الخطاب مع اليهود، والثانية في سياقه مع النصارى، وفي الترمذي وصحيح ابن حبان، من حديث عدي بن حاتم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون” وليس الحكم على النصارى بالضلال بسبب أنهم ما كانوا يعلمون بخروج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن اليهود كانوا يعلمون، لأن النصارى المطلعين على الإنجيل كانوا يعلمون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما يدل له إخبار صاحب سلمان الفارسي له بذلك، ولقد كان سبب هجرة اليهود إلى المدينة المنوره قبل البعثة المحمدية هو ما عانوه من الاضطهاد فقال المقريزي في إمتاع الأسماع، وقد مات نبى الله موسى عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لهم قد عصيتم وخالفتم الآباء، فقالوا نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها.

إلى أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم، ويقال بل كان نزولهم أولا من نواحي العالية، وانحدر بها الآطام والأموال والمزارع، فلبثوا في نواحيه زمانا طويلا حتى ظهرت الروم على بني إسرائيل وخرج بنو قريظة، والنضير، وبنو هذيل من يثرب ونزلوا الغابة وهو موضع قرب المدينة من ناحية الشام، ثم تحولوا عنها لوبائها إلى عدة مواضع من نواحي يثرب، والحدم اسم موضع، ويقال بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بختنصر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود، ولكن هل اليهود كتبوا العهد القديم قبل ولادة النبي عيسى عليه السلام، ثم أخذه النصارى من اليهود ووضعوه في إنجيلهم؟ وهل هناك فرق بين العهد القديم عند اليهود وبين العهد القديم عند النصارى، فإنه بلا شك في أن العهد القديم وُجد قبل ولادة المسيح عليه السلام، وهو يشمل ما يعرف عند المسلمين بالتوراة التي كانت من عهد نبى الله موسى عليه السلام، وقد تلقاه النصارى من اليهود، وجعلوه مع أناجيلهم الأربعة وما ألحق بها من الرسائل كتابا مقدسا, بينما لا يؤمن اليهود إلا بالعهد القديم، وقال الدكتور منقذ السقار في كتابه “هل العهد القديم كلمة الله؟ بأن التوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى تتكون من أقسام عدة.

وهى الأسفار الخمسة المنسوبة لنبى الله موسى عليه السلام, والتي يقابلها عند المسلمين التوراة، والأسفار التاريخية، وهي أسفار منسوبة لعدد من الأنبياء الذين عاصروا هذه المراحل التاريخية من حياة بني إسرائيل، وعددها اثنا عشر، وأسفار الشعر والحكمة، وهي خمسة أسفار، والأسفار النبوية، وتتكون من سبعة عشر سفرا، وأسفار الأبوكريفا السبعة، ويطلق النصارى، لا اليهود، على الأجزاء الأربعة السالف ذكرها اسم العهد القديم، وتسمى أيضا الكتب والناموس، ويطلق اسم التوراة على الأجزاء الثلاثة الأخيرة تجوزا، ويرجع أصل هذه التسمية إلى بولس، حين سمى التوراة بالعهد القديم، لتصبح الأناجيل والرسائل الملحقة هي العهد الجديد، وقال أيضا في كتابه “هل العهد الجديد كلمة الله؟ بأن العهد الجديد هو مجموعة الأناجيل الأربعة, والرسائل الملحقة بها، وينسب إلى ثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من النصرانية، وهم متى, ومرقس, ولوقا, ويوحنا أصحاب الأناجيل، ثم بولس صاحب الأربع عشرة رسالة، ثم بطرس, ويعقوب, ويهوذا، تلاميذ المسيح الذين تنسب إليهم القليل من الرسائل، وسمى ترتليان عام 225م هذا الجزء من الكتاب المقدس “العهد الجديد” في مقابل تسمية التوراة وأسفار الأنبياء “العهد القديم” وإن العزير عليه السلام هو من نسل نبى الله هارون بن عمران، وقيل إنه نبي وقيل لم يكن، وكان ممن سباه الملك بختنصر، وهو غلام حدث، فلما بلغ أربعين سنة أعطاه الله الحكمة، ولم يكن أحد أحفظ ولا أعلم بالتوراة منه.

وهو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وهو الذي ادعت بنو إسرائيل كذبا أنه ابن الله، وقد ركب نبى الله العزير عليه السلام حماره وخرج إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف في وقت الظهيرة وكان الجو حارا، نزل عن حماره ليستريح في ظل مكان خرب، وأخرج طعاما ليأكله، وكان معه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فاعتصر العنب في القصعة ثم وضع فيها خبزا يابسا ليبتل قبل أن يأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال كيف يحيي الله هذه بعد موتها؟ فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام، وبعد مائة عام، أرسل الله تعالى له ملكا فبعثه الله وأحياه مرة أخرى، فقال له الملك كم لبثت؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم، قال بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، لم يتغير منه شيء، فنظر فإذا الخبز ما زال يابسا وكذلك التين والعنب ما زالت ناضجة، فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك أنكرت ما قلت لك؟ فانظر إلى حمارك، فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا، فلما تبين لعزير قال ” أعلم أن الله على كل شيء قدير” فركب نبى الله العزير عليه السلام، حماره ليعود إلى منزله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى