مقال

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثالث “

الإسراء والمعراج

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثالث ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا عندما قال ملك الجبال للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين” ولكنه صلى الله عليه وسلم نهر الرحمة، وينبوع الحنان، فإنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، الذي ما خرج إليهم إلا وهو يعلم يقينا أن هذه الأصلاب تحمل ربيعا قادما، وتحمل أملا يشرق كالفجر، ويتحرك كالنسيم ولذا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لملك الجبال “لا، إنما أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله” وهكذا فإن رحلة الطائف، رغم ما فيها من أحداث مؤلمة، فقد تركت لنا دروسا مهمة، ينبغي للمسلم الوقوف معها والعمل بها ليسعد في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم يا مسلمون، إن أردتم العون والنصر والفرج من الله، فسيروا على ما سرت عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرت في رحلة الطائف، اثبتوا على الطاعة كما ثبت في رحلة الطائف، وتمسكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسكت في رحلة الطائف، وضحوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف، فأين المسلم الَّذي يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولقد رجع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه.

أو أناسا يحمونه، فقال ابن القيم رحمه الله” فقال له زيد بن حارثه رضى الله عنه للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ويعني قريشا، فقالالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه، فلما انتهى إلى مكة، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطعم بن عدى، أن أدخل في جوارك؟ فقال نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وقال ابن الأثير، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل يا مطعم، أمجير أم متابع؟ قال بل مجير، قال قد أجرنا من أجرت، ولقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المطعم بن عدي مات كافرا، وأن قبوله لإجارة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لها جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون من حالفهم أو استجار بهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل حافظا لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر.

فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني أى طلب الشفاعة في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، وفي رواية أبي داود يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لأطلقتهم له” وقال الخطابي في الحديث إِطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء ” وقال ابن حجر في الفتح ” بأن ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ” وإذا تحدثنا عن الإسراء والمعراج، فإن الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله تعالى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، وأما المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة وقد اختلف العلماء حول زمنها بالتحديد، وكما أثير حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عدة، فيما إذا كانت قد تمت هذه الرحلة بالروح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمت؟ وعلى الرغم من أن الإسراء والمعراج حدثا في نفس الليلة، فإن موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا.

بل ذكر الإسراء أولا في سورة الإسراء، وتأخر الحديث عن المعراج إلى سورة النجم التي وضعت بعد سورة الإسراء في ترتيب سور القرآن الكريم وقد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء وهو الرحلة الأرضية، مقدمة للإخبار بالمعراج، وهي الرحلة العلوية التي ذهل الناس عندما أخبروا بها، فارتد عن الإسلام وقتها ضعاف الإيمان، بينما ظل على الإيمان أقوياءه، وفى رحلة الإسراء يقول ابن القيم رحمه الله أنه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبا على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ويقول الله في سورة الإسراء “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ويقول الله سبحانه وتعالى وتعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده” ومعنى سبحان، أي تنزه الله تعالى في قوله عن كل قول، وتنزه الله عز وجل في فعله عن كل فعل، وتنزه الله سبحانه وتعالى في صفاته عن كل صفات “الذي أسرى” أي الذي أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم بالمسير والانتقال ليلا “بعبده” أي بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وهي مهمة هداية البشر جميعا ولم يقل الله سبحانه، بخليله أو بحبيبه أو بنبيه، وإنما قال تعالى بعبده، وفي هذا ملحظ هام وهو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فكان حقا العبد الكامل، أو الإنسان الكامل.

ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى وأما فى قوله ليلا “ليلا” وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل ولم يستغرق الليل كله، وكان الليل هو وقت الرحلتين لأنه أحب أوقات الخلوة، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب، وأما قوله تعالى”من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” فتفسيره أن انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في رحلته الأرضية كان بين مسجدين، أولهما هو المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية، وهو أحب بيوت الله تعالى في الأرض، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وثانيهما هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين، مهد الأنبياء والرسل، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمان، والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، وقوله تعالى”الذي باركنا حوله” أي الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات، دنيوية ومعنوية وقوله تعالى “لنريه من آياتنا” أي بعض الآيات الدالة على قدرة الله تعالى وعظمته، وليس كل الآيات، أما عن السؤال الذى أختلف فيه كثيرا من الناس وهو هل الإسراء بالروح أم الجسد؟ فقد أنقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث آراء.

فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح، ومنهم من يقول كان بالجسد، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة، أما الإسراء فقد نص عليه القرآن الكريم في سورة الإسراء، وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقظة ليلة الإسراء وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وقال القرطبي، أنه ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا، وقال الشوكاني في قتح القدير، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة، ويكفي أن الإسراء والمعراج كان بجسده الشريف صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” وقوله تعالى ” ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وقال أبو جعفر الطبري في تفسيره، الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله سبحانه وتعالى أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده.

وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله حمله على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل، وبعد فإن الله تعالى إنما أخبر في كتابه الكريم أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قاله الله تعالى إلى غيره، بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد، وقيل أن الحكمة في المعراج هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يشرف بأنوار نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج، وسئل أبو العباس الدينوري، لما أسري بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى