مقال

الرسالة ما بين الضعيف والمكذوب ” الجزء الأول “

الرسالة ما بين الضعيف والمكذوب ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن من أعظم نعم الله عز وجل علينا وعلى البشرية كلها بعثة نبينا ورسولنا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الأنبياء ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وقال أيضا سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة التوبة ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” وقال ابن كثير في تفسيره، وقوله تعالى ” عزيز عليه ما عنتم” أى يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ” حريص عليكم” أى على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم” وقال السعدي ” حريص عليكم ” فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه وقال ابن كثير في تفسيره، وقوله تعالى ” بالمؤمنين رؤوف رحيم” أى شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم” وإن المتأمل في السيرة النبوية يجد صورا كثيرة يظهر من خلالها مدى رحمة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأمته، وشفقته بها، وحرصه الشديد على أن تكونَ في ظل الرحمن وجنته يوم القيامة، ومن أعظم هذه الصور شفاعته، صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لأمته، والتي قال الله عز وجل له فيها” يا محمدـ ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطى، واشفع تشفع” وإن الشفاعة العظمى هي المقام المحمود الذي يذهب فيه الأولون والآخرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم عند ربهم، فقال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” عسى أن يبعثك ربك مقما محمودا “.

الرسالة ما بين الضعيف والمكذوب " الجزء الأول "

وقال ابن عباس رضى الله عنهما هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقالها لحسن البصرى، وقال قتادة هو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى” عسى أن يبعثك ربك مقما محمودا ” قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض، ويبعث راكبا إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعدما يسأل الناس آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فكل يقول “لست لها” حتى يأتوا إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيقول “أنا لها، أنا لها” وقال الطبري ” لعل ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاما” تقوم فيه محمودا تُغبط فيه، ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر العلم، ذلك هو المقام الذي هو يقومه يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم” فحين يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، وتدنو منهم الشمس، في يوم مقداره خمسين ألف سنة، ويبلغ الغم والكرب منهم ما لا طاقة لهم به، يُكلم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على الله عز وجل ويشفع لهم عند ربهم، فلم يذهبوا لنبي إلا قال نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى ينتهوا إلى نبينا ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم.

ويُقال له ” يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطى، واشفع تشفع” وإن شفاعة نبينا ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من خصائصه، ومن آيات فضله وكرامته، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى المغانم ولم تحل لأحد قبلى، وأعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث إلى قومه خاصه وبعثت إلى الناس عامه ” رواه البخارى، ولقد جعل الله عز وجل لكل نبى دعوة مستجابة، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا، واختبأ نبينا وحبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة” رواه البخارى، وفي رواية للإمام مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لكل نبى دعوة مستجابة، فتعجل كل نبى دعوته، وإنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامه، فهى نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا” وقد قيل أنه حينما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، وأوحى إليه ربه يا محمد, ارفع رأسك, وسل تُعطى قال يا رب, إنك عذبت قوما بالخسف، وقوما بالمسخ, فماذا أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى أنزل عليهم رحمتي, وأبدل سيئاتهم حسنات, ومن دعاني أجبته, ومن سألني أعطيته, ومن توكل علي كفيته.

وأستر على العصاة منهم في الدنيا, وأشفعك فيهم في الآخرة, ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم يا محمد, إذا كنت أنا الرحيم, وأنت الشفيع, فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع” ولكن قيل أن هذا الحديث بتمامه لم نجد له أصلا، وأمارات الوضع عليه لائحة، وقوله فيه “ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم” فهو منكر، حيث جعل حساب هذه الأمة من عتاب الحبيب لحبيبه، ومن كان عنده أدنى علم بأمر الشرع، وأصوله التي بني عليها، ونظر أدنى نظر فيما ورد فيه من الوعد والوعيد، علم بطلان مثل هذا الكلام، وأنه مناقض لما تواتر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من حال العصاة، ووعيدهم، وما علم يقينا، من أن أناسا من هذه الأمة سوف ينالهم من هذا الوعيد ما ينالهم على معاصيهم، فكم من زان، أو سارق، أو قاتل كم من هؤلاء من يعاقبه الله على جرمه، ويلحق به وعيده وعذابه في الدنيا والآخرة ؟ وقيل أيضا فى رواية أخرى “أنه حينما وصل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى, وأوحى إليه ربه يا محمد, ارفع رأسك, وسل تعط، قال يا رب, إنك عذبت قوما بالخسف وقوما بالمسخ, فماذا أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى أنزل عليهم رحمتي, وأبدل سيئاتهم حسنات, ومن دعاني أجبته, ومن سألني أعطيته, ومن توكل علي كفيته, وأستر على العصاة منهم في الدنيا, وأشفعك فيهم في الآخرة, ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم، يا محمد, إذا كنت أنا الرحيم, وأنت الشفيع، فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع؟

وأنه لا يليق بمقام النبوة قول” ولولا أن الحبيب يحب معاتبه حبيبه لما حاسبتهم ” لأن ذلك يناقض القرآن الكريم في التأكيد على حساب العباد يوم القيامة على أعمالهم، فقال الله تعالى ” إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم ” وقال تعالى” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ” وقوله تعالى” يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بماعملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد” وقوله تعالى” أيحسب الإنسان أن يترك سدى ” فكل هذه تدل أن هناك غاية من خلق العباد هي التكليف والاختبار، ومن هنا تكون المحاسبة على هذا الاختبار والتكليف، بل من أسماء الله الحسنى هو الحسيب، ومن معاني الحسيب، أنه الحفيظ على أعمال عباده ، وأنه أحصى ذلك كله عنده في كتاب، ثم يحاسبهم على أعمالهم ويكون جزاؤكم بحسب ذلك من ثواب أوعقاب، إذن فالغاية من الحساب ليست معاتبة الحبيب لحبيبه بل الغاية هي مجازاتهم على ما أعمالهم في هذه الحياة الدنيا، وقد ورد هذا الأثر بألفاظ متقاربة في حديث موضوع، فيه محمد ابن علي المذكر قال في المغني أنه متهم تالف، وقال السيوطي وأخلق بهذا الحديث أن يكون من وضعه، وفي رواية أخرى في تذكرة الموضوعات للفتني قال وفي الذيل ” ليلة أسري بي سألت الله عز وجل فقلت إلهي وسيدي اجعل حساب أمتي على يدي لئلا يطلع على عيوبهم أحد غيري فإذا النداء من العلي يا أحمد إنهم عبادي لا أحب أن أطلعك على عيوبهم فقلت إلهي وسيدي ومولاي المذنبون من أمتي فإذا النداء من العلي يا أحمد إذا كنت أنا الرحيم وكنت أنت الشفيع فأين تبين المذنبون فقلت حسبي حسبي “

وقال فيه محمد بن أيوب أنه كذب، وعلى ذلك فهذا الحديث لا أصل له وبعض فقراته وردت في حديث موضوع فيه كذب وآخر متهم تالف، لذلك فلا يحل نشره، وفي صحيح السنة من أحاديث المعراج ما يكفي والحمد لله، وإن الدرجة لهذا الحديث هو كذب، وأنه ليس بحديث، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، فإنه قيل أن الكذب معصية إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي وقد توعد عليها بالنار، فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره ؟ فإن الجواب عنه من وجهين أحدهما أن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وقيل بأن الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر، وفيما قاله نظر لا يخفى، والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك، وأما عن الجواب الثاني أن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة، والكذب على غيره صغيره فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا، أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم “فليتبوأ” على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد ويعني في النار، مختص بالكافرين ، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره فقال ” إن كذبا علي ليس ككذب على أحد “

وقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، من أشد جند الله؟ قال الجبال، فالجبال يقطعها الحديد، فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد، فالنار أقوى، والماء يطفئ النار، فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء، فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب، فالريح أقوى، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه، فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان، فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم، فأقوى جند الله هو الهم، يسلطه الله على من يشاء من عباده” وإن الدرجة لهذا الحديث هو كذب، وأنه ليس بحديث، وقيل عن حديث ” من اعتاد على قول أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, عندما يستقيظ تنفعه في قبره, حيث إنه عندما يأتي منكر ونكير لإيقاظه للسؤال، ويقول أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول له منكر ونكير نم فليس عليك سؤال” فإن الدرجة أنه لا يصح، وقيل عن حديث “من تزوج امرأة لمالها، لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوج امرأة لجمالها، فلا يميته الله حتى يريه قبحها” وإن الدرجة لهذا الحديث أنه لا أصل له، وأيضا حديث ” اقتلوا من لا غيرة له” وأن الدرجة أنه ليس بحديث، وروي أن نبى الله موسى عليه السلام لما دفن أخاه هارون عليه السلام ذكر مفارقته له وظلمة القبر، فأدركته الشفقة، فبكى، فأوحى الله تعالى إليه يا موسى، لو أذنت لأهل القبور أن يخبروك بلطفي بهم لأخبروك يا موسى، لم أنسهم على ظاهر الأرض أحياء مرزوقين، أفأنساهم في باطن الأرض مقبورين؟ يا موسى، إذا مات العبد لم أنظر إلى كثرة معاصيه، ولكن أنظر إلى قلة حيلته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى