مقال

مفهوم التنمية الشاملة ” الجزء الثانى

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع مفهوم التنمية الشامله، وقد توقفنا عند قوله تعالى فى سورة التوبة ” وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون” فزيادة الإيمان مع البشارة تعطى دفعة للعبد المؤمن لتأخذ بيده للعمل والتنمية والنشاط المتواصل الذى يعم بالخير عليه وعلى المجتمع كما تدعو السنة النبوية الشريفة إلى التنمية الإيمانية فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “جددوا إيمانَكم قالوا يا رسول الله فكيف نجدد إيماننا قال جددوا إيمانَكم بقولِ لا إله إلا الله ” رواه أحمد، وكلما تجدد الإيمان كلما زاد النشاط فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزو سبحانه وتعالى” إذا تقرب العبد إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا أتانى مشيا أتيته هروله” رواه البخارى، فهذه دعوى للتقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح والتنمية الإيمانية التى تعد جانبا هاما وركيزة أساسية في التنمية الشاملة، وإن من أهم مجالات التنمية.

 

الروحية والفكرية والعقلية فى الإسلام هو التنمية العلمية، حيث اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله عز وجل بنا لرفع الجهل عنا أن كان أول ما نزل من الوحى على نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم كلمة هبط بها جبريل عليه السلام وهي قوله تعالى فى سورة العلق” إقرأ باسم ربك الذى خلق” ويرفع الله تعالى الذى يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، فقال تعالى فى سورة المجادلة ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” أى يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات أى على من سواهم في الجنة، فقال القرطبى أى فى الثواب فى الآخرة وفى الكرامة فى الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم” وقال ابن مسعود رضى الله عنه مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم، ومعنى درجات أى درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به، وإن لشرف العلم أباح الله تعالى لنا أكل الصيد.

 

الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل فقال تعالى فى سورة المائدة ” يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه” فلولا فضل العلم لكان فضل صيد الكلب المعلم والجاهل سواء، وقد علمه كيف يصيد؟ وكيف يمسك لصاحبه؟ وإن هذا فى عالم الكلاب، فقد رفعه الله درجة عن أقرانه بالعلم فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة؟ ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب ولا نسب فوق كثير من الأكابر وكما قيل العلم يرفع بيتا لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف، وإن الله لم يقصر الأجر على العلماء في حياتهم فقط، بل امتد الأجر بعد موتهم وإلى قيام الساعة، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له” رواه الترمذى، ولم يقتصر اهتمام النبى صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب.

 

بل أمر بتعلم اللغات الأخرى وثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل، وروى أنه تعلم بأمر منه صلى الله عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها، فعنه رضي الله عنه قال “أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم لـه كلمات من كتاب يهود، قال إني والله ما آمن يهود على كتابى, قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته لـه, فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم, وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم “رواه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم فأصبح الفتى زيد بن ثابت ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت اللغة سلاحا له يدافع به عن الإسلام والمسلمين، وكما قيل “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم” ولم تقتصر عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم هذه الفنون والعلوم للرجال فحسب, إنما اعتنى أيضا بتعليم النساء العلم والكتابة, فعن الشفاء بنت عبدالله قالت “دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لى ” ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ” رواه أبو داود.

 

وجملة القول, فإن ما تقدم هو قليل من كثير ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم في شأن عنايته بالتنمية العلمية, تعلما وتعليما, أقوالا وأعمالا, مما يبرز اهتمامه الفائق بولاية العلم والتعليم، وإن الأمة بحاجة إلى المؤمن القوى في عقيدته القوى في عبادته القوى في تعلمه القوى في دعوته القوى في عمله القوى في صدعه بالحق القوى فى جميع مناحي الحياة فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز” رواه مسلم، وإن الاستثمار في العلم هو أفضل أنواع الاستثمار، وإن المعرفة هي السبيل الأكثر نجاحا لاكتساب منظور واسع للقضايا المختلفة من خلال إدراك خصائص الشئون المختلفة، ولذا فقد قدم الإسلام العلم على العمل ورفع شأن العلماء العاملين على العابدين بغير علم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ” رواه أبوداود، فالعلم هو الباب الأوسع للإيمان والخشية.

 

فقال تعالى فى سورة فاطر ” إنما يخشى الله من عباده العلماء” والإسلام دين العلم وحث عليه ورفع من شأن أهله فقد حض على العلم والتعلم فأول ما نزل به الوحي على قلب النبى صلى الله عليه وسلم أقرأ، وهو مفتاح العلم فقال تعالى فى سورة العلق ” إقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم ” وقد أقسم الله عز وجل بالقلم وهو أده نقل العلم فقال تعالى فى سورة القلم ” ن والقلم وما يسطرون ” ولذا جاء الإسلام يحض على التنمية العلمية فقال تعالى فى سورة المجادلة ” يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض، حتى الحيتان فى الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.

 

وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” رواه أبو داود، وإن العنصر الثانى من التنمية الشامله هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية وسبل تحقيقهما، ولقد أولى الإسلام اهتمامه بعملية التنمية الاقتصادية اهتماما كبيرا وحث الإسلام جميع أفراده على العمل والإنتاج، ويقرر أن حياة الإنسان بدون عمل هي عقيم كحياة شجر بلا ثمر ، فهي حياة تثير المقت الكبير لدى واهب الحياة الذي يريدها خصبة منتجة كثيرة الثمرات، فالإسلام لا يعرف سن للتقاعد، بل يجب على المسلم أن يكون وحدة إنتاجية طالما هو على قيد الحياة، ما دام قادرا على العمل، بل إن قيام الساعة لا ينبغى أن يحول بينه وبين القيام بعمل منتج، وفي ذلك يدفعنا النبى صلى الله عليه وسلم دفعا إلى حقل العمل وعدم الركود والكسل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر” وكما حث الإسلام على اتخاذ المهنة للكسب مهما كانت دنيئة فهي خير من المسألة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى