مقال

حرية المواطن تنبع من ضميره

حرية المواطن تنبع من ضميره

حرية المواطن تنبع من ضميره

كتب / يوسف المقوسي

ماذا لو استفاق العرب ذات يوم ووجدوا بلادهم دون حروب أهلية، ودون حكام طغاة، ودون أصولية دينية، ودون تدخلات أجنبية؟

ينصرف العرب الى أعمالهم، للعمل بجد وكد وإصرار؛ يتواصلون بحيث يكون للسياسة مكان مركزي في فكرهم ووعيهم؛ يبحثون الأمور بعقلانية. توضع المصلحة الفردية في انسجام مع المصلحة العامة؛ ويؤسسون الدولة على أساس المصلحة العامة؛ يتعاونون في تقديم المساعدة لبعضهم البعض؛ تزول البغضاء، أو تكاد تزول، لمن يخالف في الرأي أو الدين أو المذهب أو الإثنية.

أما في ما يخص العمل والإنتاج، فإن العمل يقود الى إنتاج أكبر إذ يجد الفرد نفسه يعمل لمصلحته ولمصلحة مجتمعه في آن واحد. ستكون الأجور أعلى، وستكون حوافز العمل أعلى. سيعتمد المجتمع على العمل والإنتاج، ليتخطى الاستهلاك. وسيكون الادخار طريقا لبناء المستقبل بالاتكال على النفس لا على المساعدات والتسوّل. سيتعاملون مع البيئة بما يتفق مع قواعد التنمية والاستدامة. ستكون مواردهم الطبيعية وكل المواد الخام المستخرجة من تحت الأرض ملك المجتمع لا كما الآن. هي ملك الدولة بالاسم، لكنها ملك الشركات عابرة القارات بالفعل. وستكون السيادة مكتملة بالفعل حيث يكون لكل بلد عربي حرية التصرف بموارده وماله وأرضه وعرضه ودولته.

 

وسيشهد الدين تحولاً جذرياً، ليصبح في سبيل الإنسان، لا الإنسان في سبيل الدين. ستتغيّر النظرة الى الله. سيكون إله العطف والرحمة ولن يجد ضرورة للثواب والعقاب. سينظر العربي الى الأديان على أنها حمالة أوجه مختلفة للإيمان بالله. سيقبل الغير. سيألف المختلف. سوف يؤكد على الاختلاف لا من باب التسامح بل من باب أن في الاختلاف ثروة ثقافية، وأن الثقافة التي تنغلق على نفسها تموت.

 

سيتعامل مع الإسرائيلي كيهودي لا كصهيوني. يبقى منهم من حافظ على يهوديته ونبذ صهيونيته. لن يجد الصهاينة لهم مكاناً في هذا المجتمع. الصهيوني بطبيعته لا يطيق الاختلاف. يكره تنوّع المجتمع وتعدديته. سيرى نفسه معزولاً. سيعود الى حيث أتى هو أو أباؤه أو أجداده. لن يُكره أيٌ منهم على الهجرة، لكن أيٌ منهم لا يستطيع العيش في مجتمع عربي لم يعد مزبلة التاريخ. لا يستطيع الصهيوني العيش والاستمرار إلا في أرض محاطة بدول عربية استبدادية، أصولية، منهكة. تحوم حول الدين وتكرس مجتمعاتها لنهايات إنسانية وغير دينية. لا ألهة مزيفين. ينتهي دور هؤلاء عندما يستفيق العرب.

 

في السياسة، سيجد العربي نفسه في دولة، بحيث تكون الدولة أكثر من سلطة. لا تكون الدولة كذلك إلا عندما تتشكّل من مواطنين. المواطن بالتعريف هو الفرد الذي يشارك في الدولة ويرفض أن يكون من رعايا السلطان وأكباش الأحزاب . سوف يمارس المواطن السياسة ليس في سبيل التنافس على السلطة (وله الحق في ذلك)، بل في سبيل التسويات، إذ تستدعي الاختلافات تسويات تتجاوز الخلافات. ستكون السياسة جزءاً من حياته اليومية. لن يمثله أو ينوب عنه أمام الله رجل الدين. ولن يمثله أو ينوب عنه أمام المجتمع رجل السلطة. هو مصدر كل سلطة.. والتمثيل الديموقراطي لن يكون فقط بيد من ينالون أصواتاً أكثر في صندوق الاقتراع. مهمة أهل السلطة إدارة المجتمع. مهمة النواب التعبير عن المجتمع وليس العمل والتفكير بالنيابة عنه. هكذا تحمى السياسة من أخطار الديموقراطية. هذه ليست حصيلة الأصوات في صندوق الاقتراع وحسب، بل هي حصيلة الحوار اليومي في المجتمع ومع المجتمع ومن أجل المجتمع. الإنسان هو الغاية والهدف، والإنسانية تنطبق على من هم شركاء في الدولة أو في دول أخرى.

 

لن يحتاج هذا المجتمع الى مستبد عادل. سيكون هو مجتمعاً عادلاً. سوف ينبع العدل من طبيعته الإنسانية، بدل من مقولات تسقط عليه من السماء أو ممن ينوب عن السماء في كرسي الاستبداد أو في الجمود العقلي أو الديني.

سيكون هذا المواطن حراً بطبيعة الأمور لأنه هو من تتشكل منه الدولة. دولة المواطنين لا مكان فيها للاستبداد. المواطنون الأحرار يحترمون أنفسهم وسيرى كل من يحاول الاستبداد أنه ذليل فاقد الاحترام. المجد والعظمة في هذا المجتمع هما للفرد المواطن المشارك في الدولة. مشاركة الجميع لا تسمح للاستبداد بالوجود هذا من طبيعة الأمور. حرية المواطن تنبع من ضميره ولا تُملى عليه. سيجد المواطن، وقد أصبح مواطناً فعلياً، أنه في تناغم مع إله اللطف. إله الثواب والعقاب لا يتناغم إلا مع أهل الاستبداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى