مقال

هؤلاء “الفرانكو-علمانيين”

هؤلاء “الفرانكو-علمانيين”

………………

بقلــم: رشيد ( فوزي ) مصباح

***

البارحة شاهدتُ فيديو بعنوان : (استنجدنا بهم لحمايتنا فمكثوا أكثر من ثلاثة قرون، فهل كان التواجد العثماني في الجزائر استعمارا أم حماية ؟ وكيف نفسر ثلاثة قرون من الفراغ الحضاري ؟ وهل كان العثمانيون سبب تخلفنا ؟). من سلسلة [philotalk] التي كانت تقدّمها الدكتورة (مليكة بن دودة) على قناة [El Djazairia One] منذ سنتين تقريبا، قبل أن تغدو وزيرة للثّقافة والفنون.

افتتحتْ الدكتورة كلامها بعد ترحيبها بالضيّوف بقولها: “ما لازمش تتعاملوا بعاطفة”؛ (الدّفاع عن العثمانيين توظيف للعاطفة. وأما الهجوم عليهم وعلى العرب الفاتحين ففكرٌ صِرفٌ!؟).

بغض النّظر عن ركاكة اللّغة والتحيّز الواضح لفئة (الفرانكو-علمانيين) الذين أولتْهم عناية خاصّة ونالوا حصّة الأسد من النّقاش والوقت، فإن نظرتهم للعثمانيين والعرب الفاتحين كانوا عبارة “غزاة”؛ الاسطوانة المشروخة التي ما فتئ يردّدها (الفرانكو-علمانيين) في كل مناسبة يطمح الجزائريون فيها لتأسيس نظام ديمقراطي جديد يقوم على الهوية والدين.

لم يكن ولا واحد منهم ليتجرّأ على فتح فمه وقت (بومدين) مثلا أو قبل مجيئه بأعوام، لأنّ الجراح التي تسبّب فيها المستدمر اللّعين كانت تنزف بشدّة والقلوب مليئة بما يكفيها. لذلك لم يخرج علينا في فترة الستينيّات و السبعينيّات من يستهزئ بلغة ملايين الجزائريين ويتجرّأ على الدِين. لكن الشيء الملفت للانتباه هو أنّه حين أعلن (الشادلي) عن الانفتاح ومنح الحريّة للشّعب الجزائري كي يختار ممثّليه ويعبّر عن رأيه، استغلّ (الفرانكو-علمانيين) نفوذهم في أجهزة الدولة واحتكارهم لوسائل الإعلام واحكموا قبضتهم على البلاد، وكانوا من وراء الانقلاب على إرادة الجزائريين في التسعينيّات. ومن ثمّ فقد أعلن هؤلاء (الفرانكو-علمانيين) حربهم ضد كل ما له علاقة باللّغة العربية والدِين الإسلامي.

لماذا (الفرانكو-علمانيين

هؤلاء هم الطّابور الخامس، تراهن عليهم فرنسا العلمانية بكل ما أوتيت من مكر، ودهاء، وخبث، وحيلة وقوّة. ولن يهدأ ولن يهنأ لها بال “حتّى تقتلع العربيّة من لسان الجزائريين والدين الإسلامي من قلوبهم”: أليس هذا ما صرّح به الحاكم الفرنسي في الجزائر في خطابه الذي ألقاه يومها بمناسبة مرور مئة عام على وجود فرنسا في الجزائر؟.

لماذا لم تناقش الدكتورة المحترمة (بن دودة) ملف الاستدمار و احتلال فرنسا للجزائر وتعاملها بتلك الوحشية البشعة مع من سمّتهم [Les indigenes]؟

[الوضع القانوني لسكّان الجزائر الأصليّين، هو الوضع الذي خضع له الجزائريون الأصليّون أثناء الاستعمار الفرنسيّ للجزائر. وُصف هذا القانون بأنه “الوحش القانوني” ، وقد تم وضعه من قبل مجلس الشيوخ في 14 يوليو 1865 وانتهى جزئيًا بتأسيس قانون عام 1947 ، الذي تم التصويت عليه في 20 سبتمبر 1947.]-منقول-.

وكيف تركتهم فرنسا يئنّون تحت وطأة الجهل والجوع والحرمان”، بعد مئة وثلاثين سنة من سياسة الأرض المحروقة، القتل والإبادة الجماعية.

إنّها الدّولة العميقة التي تقف في وجه رياح التغيير يا سادة يا كرام!

وحتى نكون منصفين، فنحن لا نكفّر ولا نلعن أحدا؛ عملا بقوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ]، ولا نشكّك في وطنيّة غيرنا لأنّه يخالفنا الرّأي. شعارنا في ذلك: «رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصّواب».

فعلى هؤلاء “المستغربين” احترام مشاعر غيرهم ولا يجب أن ينظروا بازدراء إلى كل من يتمسّك بعروبته ودينه؛ على أنّه جاهل ومتخلّف. ونقول لهؤلاء “المستغربين” المنبهرين بالعلمانية الأوروبية: إنّ سبب التخلّف الحقيقي لا يكمن في اللّغة ولا في المعتقد، وإلاّ ما كان قد بلغ عبّاد البقر والحجر والفئران ما بلغوه في مجال النّهضة والعلوم وصار يُحسبُ لهم ألف حساب.

فليس العربية ولا الدّين الاسلاميّ هما السّبب في تخلّفنا، بل نحن قوم تخلّينا بمحض إرادتنا عن مجدنا وركنّا إلى الدّنيا، و تملّكنا التّرف فتميّعنا وتنازعنا، وذهبت ريحنا… لكن من جهل شيئا عاداه!

قيل للحسين بن الفضل : هل تجد في القرآن ” من جهل شيئا عاداه ” قال نعم ، في موضعين : [بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ] وقوله : [وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى