مقال

فى طريق المعرفه ومع العادة والعبادة ” الجزء الثامن

فى طريق المعرفه ومع العادة والعبادة ” الجزء الثامن ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع العادة والعبادة، والفقهاء يتحدثون عن النية قبل الشروع في العمل ويعنون بها النية التي تميز العمل نفسه، كصلاة الظهر عن صلاة العصر، وصوم النافلة عن صوم الفرض، وما إلى ذلك، ويتحدث أرباب التوحيد وأهل السلوك عن النية التي تميز المعمول له، وهو المقصود بهذه العبادة، وإن تحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله عز وجل سواء أكان ذلك خارج العبادة أو حتى في أثنائها إن أمكن، وليس هذا مجال الحديث عن عبودية القلب لله رب العالمين، وكثير من الناس بل ومن بعض طلاب العلم وغيرهم من أهل الخير يغفلون عن هذا كثيرا، وهذا التحديث والتذكير نهر يمد القلب باللين والرقة والخشوع، فإذا شح ماؤه جف القلب ويبس ثم قسا، نعوذ بالله من ذلك، وكذلك التهيؤ للعبادة والاستعداد لها والمثال الذي يوضح هذا وأثره هو التبكير إلى المساجد لأداء الصلاة، وهذا التهيؤ المادي الجسدي يصاحبه ولا شك تهيؤ نفسي وروحي وقلبي، وفي حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبكير إلى المساجد خير دليل على ذلك.

 

والأحاديث كثيرة مشهورة، ومن هنا نفهم كثرة ما ورد عن السلف الصالح في هذا الشأن، فهذا إبراهيم بن يزيد الفقيه عابد الكوفة يقول “إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه” والتهيؤ يكون بحسب كل عبادة وما شرع فيها، والحج كذلك له تهيؤ فرد الأمانات والمظالم، والتخلص من الحقوق قبل الشروع في السفر كلها صور للاستعداد لهذه العبادة العظيمة، وكذلك تهيئة الزاد والراحلة والرفقة الصالحة، والمتأمل في ذلك يجد الفرق شاسعا بين من يؤدي العبادة دون استعداد بدني يصحبه تهيؤ قلبي ومن يأتي الصلاة مسرعا حتى يدرك الركعة فيدخل في الصلاة ولم يسكن جسده من ذلك السعي، ولعل في نهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن السعي بعد الإقامة إشارة إلى ذلك، وإلى أن يتفاعل الإنسان روحيّا ونفسيا مع هذه العبادة تكون الصلاة أوشكت على النهاية، وكذلك الابتعاد عما يشوش القلب أثناء العبادة، ففي الصلاة مثلا نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المصلي أن يصلي إلى مايشغله أثناء الصلاة”

 

فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلى، ولهذا جاء النهي عن أن يصلي الإنسان في حضرة طعام أو وهو يدافع الأخبثين، كل هذا من أجل أن ينخلع القلب من علائق الدنيا وينجذب إلى حقيقة العبادة ويجتمع في قلب العبد وفكره ووجدانه الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى، ومثل هذه الأمور يمكن فعلها في عبادات أخرى، ليكون أدعى لانشغاله وتفرغه للعبادة، مما يؤدى لتفرغ قلب الإنسان للتوجه وللعبودية لله عز وجل أثناء الصوم، والذى يرى أن كثيرا من الناس يؤدي بعض العبادات بصورة تلقائية أقرب إلى الحركة الميكانيكية، فمثلا في الصلاة ترى كثيرا منهم يدخل في صلاة النافلة فيقرأ دعاء الاستفتاح الذى يجري على لسـانه، ومن ثم سورة الفاتحة، ثم تجري على لسانه إحدى السور الصغار التي يحفظها على ظهر القلب، وربما إذا سألته بعد صلاته ماذا قرأ، فإنه لا يذكر، ولاتفكر الأغلبية العظمى من الناس مثلا فى قراءة صيغة أخرى لدعاء الاستفتاح، أو في قراءة آيات أو سور من غير تلك السور التي تجري على ألسنتهم.

 

دون أن يتفكروا فيها أو يشعروا بها، مع أن السنة وردت بالتنويع في هذه الأذكار، فهناك عدة صيغ لدعاء الاستفتاح، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من القرآن كله في تطوعه، وهكذا في أذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار والعبادات الدورية التي وردت السنة بهيئات وصيغ متعددة لها، وإن التنويع في صفات العبادة بما يوافق السنة الصحيحة له أثر في طرد ما قد يطرأ على العبادة من صفة العادة والرتابة التي تضعف تأثير العبادة على القلب، هذا والوسائل كثيرة ومتنوعة، لكن حسب الإنسان أن يضع هذه القضية نصب عينيه هدفا منشودا، وأن يحاسب نفسه فيما يتعلق بها، فكلما عمد إلى عبادة من العبادات عليه أن ينأى بعبادته أن تكون ميتة، فالإسلام جعل العبادات وسيلة لتطهير العقل والنفس والسلوك لأن أساس الحياة الصالحة السعيدة طهارة العقل والنفس والسلوك، وجعل الإسلام الإيمان بالله الواحد، المتصف بالكمال المطلق، وبجميع صفات الكمال، أساسا لتطهير العقل، من الوثنية والخرافة لأنهما انحطاط بالعقل.

 

إلى درك لا يليق بالإنسان، ولذلك حاربهما الإسلام حربا شديدة، في جميع صورهما الظاهرة والخفية، فحرم الإسلام الحلف بغير الله عز وجل، إبعادا للإنسان عن الوثنية والشرك، وتحقيقا لتنزيه الخالق عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت” وحينما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الناس بدؤوا يتبركون بالشجرة التي جرت تحتها بيعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت في سبيل الله، قطعها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليقطع الطريق أمام وقوع الإنسان في التشبيه بين التوحيد وبين الشرك، ولكي يكون بعيدا عن الخلط بين الخالق وبين المخلوق لأن القسم لا يكون إلا بمقدس، وهو الله عز وجل، وإذا كان الإسلام اعتبر العبادات وسيلة لتطهير العقل والنفس والسلوك فقد وضع ضوابط تكفل تحقيق تلك الأهداف، من هذه الضوابط أن الإسلام حرر العبادة عن قيد الوساطة والوسطاء، فالمؤمن يتصل بربه عز وجل من غير وسيط ولا وسطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى