مقال

نسائم الايمان ومع أمراض القلوب ” الجزء الرابع

نسائم الايمان ومع أمراض القلوب ” الجزء الرابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع أمراض القلوب، وإن من علاج أمراض القلوب هو الحرص على الصدقة وبذل الخير للناس، ومجالسة الأخيار والصالحين، واجتناب رفقاء السوء، وأيضا كمال المحبة لله تعالى فلا يحب العبد ولا يبغض إلا في الله، فإذا امتلأ القلب بمحبة الله تعالى كان ذلك سببا عظيما من أسباب علاج أمراض القلوب، وأيضا الإخلاص ومراقبة النفس ومحاسبتها، فالنفس إن لم تحاسب وتراقب اتبعت الهوى وأشرفت على الهلاك، ولا شك بأن لأمراض القلوب أسباب، ومنها الفتن التي تعرض على القلوب، فإن رفضها القلب فاز وأفلح، وإلا خاب وانتكس، ومن الأسباب كذلك، هى الشهوات والمعاصي، والانشغال بالدنيا وملذاتها، والغفلة عن ذكر الله، واتباع الهوى والشبهات، وأكل ما حرّم الله من الربا والرشوة وغير ذلك، وإن من الأسباب الجوهرية للحديث عن هذا الموضوع هو غفلة كثير من الناس عن قلوبهم، وأن كثيرا من المشكلات بين الناس، وبالأخص بين طلبة العلم، سببها أمراض تعترى القلوب.

 

ولا تبنى على حقائق شرعية، فهذه المشكلات تترجم أحوال قلوب أصحابها، وإن سلامة القلب وخلوصه سبب لسعادة الدنيا والآخرة، فسلامة القلب من الغل والحسد والبغضاء وسائر الأدواء سبب للسعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، ويقول الإمام عبد الله بن أبي جمرة “وددت أنه كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، فما أتي كثير ممن أتي إلا من قبل تضييع ذلك، وما أعطي الله لهذا القلب من مكانه في الدنيا والآخرة، وأن أقوال القلب وهي تصديقاته وإقرارته، وأعماله وحركاته من خوف ورجاء ومحبة وتوكل وخشية وغيرها هي أعظم أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة، وبتخلفها يتخلف الإيمان، وأن كثيرا من الناس جعلوا معظم همهم تفسير مقاصد الناس، وتحميل تصرفاتهم ما لا تحتمل، وتجاهل الظاهر، وترتيب الأحكام على تنبؤ عمل القلوب، مما لا يعلمه إلا علام الغيوب، من أنواع مما يطرأ على القلب من العلل والأدواء والأمراض وهذه المضغة الصغيرة وهى القلب أمرها عجيب.

 

وما شبه هذا القلب إلا بالبحر، نراه في الظاهر رؤية سطحية، لكنه في الحقيقة عالم بحد ذاته، ففيه من أنواع الحيوانات والنباتات العجيبة ما حير علماء البحار، وهكذا القلب، فإن من تأمله حق التأمل وجد أن أمره مثير للعجب بما يحصل له من أحوال وانفعالات، وبما يتباين فيه الناس من أحوال ومقامات وصفات، وهذا غيض من فيض في عالم هذا القلب الصغير الكبير، ومما يطرأ على القلب من علل وأدواء، هو الغفلة، والعمى، والزيغ، والتقلب، والاشمئزاز، والإقفال، والقسوة، واللهو، والرياء، والنفاق، والحسد، وغير ذلك، وأعظم من ذلك بكثير، وأن يتعرض هذا القلب للطبع والختم والموت بعد نزول هذه الأمراض، وعدم مدافعة الإنسان لها، فيكون قلبه أسود، وكما أن القلب يتعرض للأمراض والعلل، فإن هذا القلب يحصل له من الأحوال الإيمانية، والمقامات التعبدية من الصفات المحمودة مثل اللين، والإخبات، والخشوع، والإخلاص، والحب لله، والتقوى، والثبات، والخوف، والرجاء، والإنابة، وغيرها كثير.

 

والحياة، والإيمان، وصفة قلب صاحبه أبيض، وإن مواطن امتحان القلوب كثيرة، وإن كثيرا من الناس يتصور أن القلب إنما يمتحن بالشهوات والمعاصي، والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة الأنبياء ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة” فمن المواطن التي يمتحن فيها القلب هو العبادة وكيف المحافظة عليها وأدائها بالشكل المطلوب وعدم التهاون فيها، وأيضا العلم والحرص على التعلم وخاصة ما لا يسع المسلم جهله في مختلف العلوم والفنون الإسلامية الضرورية، وأيضا الدعوة والعمل والتطبيق لما تعلم وتبليغه للناس فقال صلى الله عليه وسلم ” بلغوا عني ولو آية” وكذلك الخلاف والجدل والالتزام بآداب الخلاف والمناظرة والجدال والبحث عن الفائدة والحق بعيدا عن التعصب والجدل العقيم الذي لا فائدة منه، وكذلك الشهوات وذلك بالابتعاد عنها والفرار منها لأنها تميت القلوب وتسحبها إلى المعصية والرذيلة وتقود القلب إلى الموت، وأيضا الشبهات والفتن وذلك أيضا بالفرار منها والتحذير منها وكشف ملابساتها.

 

والسؤال والبحث عن الجواب لأبسط شبه أو سؤال يطرأ، وكذلك الرياسة والمناصب وكل ذلك مما يمتحن به القلب وصاحبه عندما يعطى منصب أو رئاسة كيف يعمل بها وكيف يتحمل الأمانة، وكذلك النسب والحسب والجاه فالكل يفتخر ويتعالى على الآخرين بحسبه ونسبه وماله فهو محل امتحان كيف يصنع القلب ويتعامل، وقد قسم ابن القيم رحمه الله أمراض القلوب إلى نوعين فقال مرض القلب نوعان، نوع لا يتألم به صاحبه في الحال وهو النوع المتقدم كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم ولأن سكرة الجهل، والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه، حاصل له وهو متوار عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين، وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل، وأتباعهم فهم أطباء هذا المرض، والنوع الثاني وهو مرض مؤلم له في الحال كالهم، والغم، والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى