مقال

دروس عظيمة من غزوة أحد .. “الجزء الأول” إعداد محمـــد الدكـــرورى

دروس عظيمة من غزوة أحد “الجزء الأول”
إعداد محمـــد الدكـــرورى

إن يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، واختبر الله تعالى به المؤمنين ومحص به المنافقين، ممن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائما بشكر ربه منيبا إليه كثير التوبة والاستغفار فلقد قام يصلي حتى تورمت قدماه فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا، وقد خير بين أن يكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا فقال لا بل أكون عبدا نبيا وقال صلى الله عليه وسلم ” إني لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة” وكان أشد الناس خوفا من الله، فكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها يا رسول الله الناس يفرحون رجاء المطر وأنت تعرف الكراهية في وجهك فقال صلى الله عليه وسلم” يا عائشة وما يؤمننى أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح” وكان مع ذلك أعظم الناس شجاعة وأشدهم بأسا.

فلقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حليما رفيقا فقد أدركه أعرابي فجذبه جذبا شديدا وكان عليه برد غليظ الحاشية فأثرت حاشيته في عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة جذب الأعرابي فقال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء، وخدمه أنس بن مالك رضي الله عنه عشر سنين في الحضر والسفر فما قال له أف قط ولا قال لشيء صنعه لم صنعته ولا لشيء تركه لم تركته وما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله وكان أحسن الناس خلقا فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سبابا ولا لعانا وما خير بين أمرين.

إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فيكون أبعد الناس عنه وكان أجود الناس فما سئل على الإسلام شيئا إلا أعطاه فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة وكان أزهد الناس في الدنيا فقد خير بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه وكان يلتوي من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه ومات ولم يخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا إلا سلاحه وبغلته ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير ابتاعه لأهله وكان بيده عقار ينفق على أهله منه والباقي يصرفه في مصالح المسلمين وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويكون في مهنة أهله ويمشي مع الأرامل والمساكين ويجيب دعوتهم ويقضي حاجتهم ويسلم على الصبيان إذا مر عليهم وكان يمزح ولا يقول إلا حقا وكان طويل الصمت قليل الضحك كثير التبسم وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ وكان محترما مفخما إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير.

وإذا سكت تكلموا وكان أشد حياء وأفصحهم لسانا وأبلغهم بيانا صلى ذات يوم الفجر فصعد المنبر فخطب الناس حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر حتى حضرت العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرهم بما كان وما هو كائن، وما من شك أن هناك صراعا بين الحق والباطل سيبقى ناشبا إلى يوم القيامة، فإن كان أهل الحق يبحثون عن السلام والأمان والعدل والاستقامة، وينشرونه بين الناس، فإن أهل الباطل يرون في ذلك اعتداء على سلطاتهم وجبروتهم، وتقويضا لحكمهم وسيطرتهم، فيبقى النزاع بينهما حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك من سنن الله تعالى في كونه، يبتلي الناس بعضهم ببعض ليرى أيهم أحسن عملا، فيفوز برضاه يوم القيامة، وإن الله تعالى لن يترك أهل الحق وحدهم يواجهون بأس الشر ويقاتلونه، بل وعدهم سبحانه وتعالى أن من عمل وسعى ليحق الحق بغية إرضائه وتثبيتا لشريعته في الأرض، فإنه سيتعهده بالنصر والتأييد ولا شك.

وقد حصل هذا مع الأنبياء عليهم السلام كلهم حين ألحق الله تعالى بأعدائهم شتى أنواع العذاب بعد كفرهم وتكذيبهم، وذلك حتى آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم حين نصره الله تعالى وشاء لدعوته أن تظهر رغم كل أشكال المقاومة والحيل التي صنعها أعداؤه من داخل مكة وخارجها، وأما عن غزوة أحد فهي إحدى جولات الصراع بين المشركين والمسلمين، وقد وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وكان سبب وقوع غزوة أحد الرئيسى هو حنق ومقت كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد انتصارهم في غزوة بدر، فظل يدور في خلدهم الرغبة في الانتقام مما حصل في غزوة بدر، فاحتجزوا العير التي نجت من مهاجمة النبى عليه الصلاة والسلام يوم بدر، وهي التي تسببت في وقوع غزوة بدر، فاحتجزوها وطلبوا أن تكون مددا لتمويل الغزوة التالية، وحثوا من حولهم على التطوع في دخول تلك المعركة، فانضم في صفوف القتال ما يقارب ثلاثة آلاف شخص بينهم نساء، وجمعوا الأموال والدروع والعير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى