مقال

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الثالث “

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الثالث ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الحياة، وقال ابن كثير رحمه الله، هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى، وسُنة نبيّه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وأصل الطيب هو ما تَستلذه الحواس، وما تستلذه النفس، والحياة الطيبة تشمل الرزق الحلال الطيب، والقناعة، والسعادةَ، والعمل بالطاعة، وغير ذلك، وكثير من الناس يظن أن الحياة الطيبة هي رغد العيش، وكثرة الأموال وهذا مفهوم قاصر، فقد تطيب الحياة بالمال.

 

وقد لا تطيب، وفي الدنيا أشياء كثيرة تطيب بها الحياة، ومن أبرزها طاعة الله تعالى، والثقة به سبحانه، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، وتطيب الحياة أيضا بالصحة والعافية، والهدوء، والرضا، والبركة، وسكن البيوت، والفرح بالعمل الصالح، ونحو ذلك، وإن الحظوظ موزعة في الدنيا وهو توزيع ابتلاء، فأي شيء أنت فيه من نعمة هو مادة امتحانك مع الله عز وجل، وأي حرمان حرمك الله إياه، فإن الحرمان نفسه هو مادة امتحانك مع الله تعالى، فأنت ممتحن مرتين، ممتحن فيما أعطاك، وممتحن فيما لم يعطك أليست الدنيا دار ابتلاء ؟ أليست الدنيا دار امتحان ؟ أليست الدنيا دار عمل ؟ وأنت في الدنيا ممتحن، فهذا الذي آتاه الله مالا كيف اكتسبه ؟ وكيف أنفقه ؟

 

وماذا فعل به ؟ وهل سخره في خدمة الحق أم في خدمة الباطل؟ هل أنفقه إسرافا وبدارا أم أنفقه باعتدال كما أمر الله عز وجل ؟ وهل بذر وأسرف أم أنفق في الحلال الذي يرجو به رضا الله عز وجل؟ إذن هذه الحظوظ التي آتاك الله تعالى إياها إنما وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، أنت مُبتلى بمعنى ممتحن فيما آتاك الله ، وممتحن فيما لم يؤتك . . لم يؤتك الله المال ، هل تأخذه من طريق غير مشروع ؟ هل تتعفف أم تتأسى ؟ هل تتجمل أم تشكو حظك العاثر لكل إنسان ؟ هل تأخذ مالا حلالا أم تأخذه حراما؟ وهكذا فإن مادة امتحانك مع الله ما آتاك الله، ومادة امتحانك مع الله ما لم يؤتك الله عز وجل، فلذلك الحظوظ توزع في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.

 

وإن الآخرة لا نهاية لها، فلعل الذي عانى الفقر في الدنيا يسعده الله في جنة عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين، ولعل الذي أترفه الله في الدنيا وأنفق المال في معصية الله يشقى بهذا الإنفاق المنحرف إلى أبد الآبدين، فلذلك حينما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي الكريم قال ” يا محمد أتحب أن تكون نبيا ملكا أم نبيا عبدا ؟ قال صلى الله عليه وسلم” بل نبيا عبدا، أجوع يوما فأذكره وأشبع يوما فأشكره” ولعل الوضع الثاني أقرب إلى العبودية من الوضع الأول، وأن من العلاج هو الإيمان بالتعويض، فإن الله سبحانه وتعالى يعوض على المؤمن في الآخرة ما فاته من الدنيا وإن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء.

 

ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وأن تؤمن أن المال الحقيقي هو الذي تنتفع به فقط، وهو المستهلكات، فما سوى الذي تستهلكه ليس مالك، إنما هو كسبك وسوف تحاسب عليه، من أين اكتسبته ؟ وكيف أنفقته ؟ فعن عبد الله رضي الله عنه قال “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، فقال عليه الصلاة والسلام “يقول ابن آدم مالي مالِي ، وهل لك يا بن آدم إلا ما أكلت فأفنيت ؟ أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأبقيت ؟ رواه مسلم، فإن ما الذي تملكه حقيقة ؟ هو الذي أكلته والذي لبسته والذي أكلته سوف يفنى وسوف ترى مصيره، والذي لبسته سوف يبلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى