مقال

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء السابع “

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء السابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع التخطيط والهجرة النبوية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل لأبى بكر “أخرج من عندك” وهذا أيضا من التخطيط لنجاح العمل، وهو السرية التامة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن لا يسمع كلامه أحد، حتى لا ينقل إلى قريش، فطلب من أبي بكر الصديق أن يخرج من بيته من لا يثق فيه، ويفشي سره، وهذا تحقيق لقوله صلى الله عليه وسلم “استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود” ثم بعد ذلك تجهيز رواحل السفر لتكون صالحة لهذه المهمة ، وذلك كما في قولها رضي الله عنها “قال فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين، قال النبى صلى الله عليه وسلم “بالثمن ” قالت فجهزاتهما أحث الجهاز ”

 

وفي رواية أخرى للبخاري قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه “قال يا رسول الله عندى ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج” وكان من التخطيط هو إعداد الطعام والزاد الذي يستعينون به في رحلتهم كما في قولها رضى الله عنها ” وضعنا لهما سفرة فى جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعه من نطاقها، فأوكت به الجراب” وكان من التخطيط هو ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور واختياره له دون غيره ، واختفاؤه فيه ثلاثة أيام ، كما في قول السيدة عائشة رضى الله عنها ” ثم لحق النبى صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر بغار فى جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال” فالرسول صلى الله عليه وسلم يتجه جنوبا حيث غار ثور، لأنه يعلم أن القوم سوف يتجهون.

 

للبحث عنه جهة المدينة جهة الشمال، فهو يختبئ في عكس اتجاههم، ويمكث فيه ثلاثة أيام حتى ييأس القوم من العثور عليه، ويتأكدوا من إفلاته من بين أيديهم، فلا يبحثون عنه صلى الله عليه وسلم، ولقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم له عينا أمينة قوية حكيمة، تنقل له أخبار قريش، ليتخذ بعد ذلك ما يراه مناسبا من الخطوات التالية، وكذلك اتخاذه صلى الله عليه وسلم الحيطة في إعفاء الأثر للمترددين على الغار، وكذلك التخطيط لطعامهم أثناء اقامتهم في الغار، وكذلك اتخاذه صلى الله عليه وسلم الدليل، وكذلك أمر عليا رضي الله عنه أن يبيت في فراشه ليخدع به المتربصين به، وكذلك سيرهم في طريق الساحل إلى المدينة وهو طريق غير مألوف عندهم في السفر إليها.

 

وهكذا خطط رسول الله صلى الله عليه وسلم لهجرته وعمل بكل الأسباب التي تحقق نجاحه، ومع ذلك فهو يعلم أن الأسباب وحدها لا تنفع ما لم يكن معها التوفيق والسداد من الله مسبب الأسباب، لذلك رغم كل هذا التخطيط، وهذه الاحتياطات، إلا أن الكفار وصلوا بالفعل إلى الغار ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن أبا بكر الصديق حدثه قال نظرت إلى أقدام المشركين على رءؤسنا ونحن فى الغار فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدمية، فقال صلى الله عليه وسلم “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما” وهذه رسالة واضحة لكل مؤمن في كل زمان ومكان.

 

أن لا تغتر بقوتك وتخطيطك ولا تتوكل على أسبابك ولكن عليك أن تعمل بالأسباب وتتوكل بقلبك على الله فهو مسبب الأسباب، ولقد تجلى فقه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، في هذه الموازنة الفذة بين الأحداث، ثم اختيار الهجرة بذاتها لتكون عنوانا ورمزا للتاريخ الإسلامي، إذ أنهم اعتبروا الهجرة بداية وجودهم الحقيقي في هذه الحياة، ولقد كان هذا العمل منهم فهما عميقا لرسالتهم، لأن الهجرة كانت عملا غير الله به وجه التاريخ الإنساني بعد أن مال ميلا عظيما، ودفع به إلى وجهته الصحيحة مستقيما غير ذي عوج، ولقد أذن الله تعالى بهذه الهجرة أن تقوم في المدينة دولة الإسلام، فحمت المؤمنين من عربدة الجاهلية وحققت حكم القرآن في واقع الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى