مقال

نفحات إيمانية ومع حصار شِعب أبو طالب ” الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع حصار شِعب أبو طالب ” الجزء الرابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع حصار شِعب أبو طالب، وعملت قريش على منع الوافدين إلى مكة من أن يبيعوهم أو يبتاعوا شيئا من الهاشميين، فكانوا يشترون منهم ما يريدون بيعه بأغلى الأثمان، وإن كانت خيالية لا يحلم بها الوافدون، حتى لا يقدر الهاشميون على شراء شيء منهم، بل عمدوا إلى وضع مراقبين حول الشعب حتى لا يدخل إليهم أحد شيئا، إلا ما كان يأتيهم سرا عن عيون الرقابة، وكان المسلمون ينفقون أثناء هذه المدة من أموال أبي طالب وخديجة، حتى نفذت واضطروا أن يقتاتوا بورق الشجر، وكان أطفالهم يتضورون جوعا أمام أعين القرشيين، دون أن يهتز لهم جفن، أو يتحرك بهم عرق من عاطفة، وأخيرا، وبعد ثلاث سنوات من الحصار، ظهرت المعجزة الإلهية.

 

فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب، وأخبره بأن الأرضة قد أكلت كل ما في الصحيفة، ولم يبق فيها إلا ما كان إسما لله تعالى، فجاء أبو طالب ومعه بعض الهاشميين إلى قريش، وقال لهم، وقد ظنوا أنه جاء مستسلما لهم، ابعثوا إلى صحيفتكم لعله يكون بيننا وبينكم صلح فيها، فبعثوا وأتوا بها، فلما وضعت وعليها أختامهم، قال أبو طالب لهم أتنكرون منها شيئا؟ قالوا لا، قال إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة واثم، وتركت كل اسم هو لله، فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه، وتجلت في هذا الموقف حكمة أبي طالب، وحنكته العالية، حيث ألزم قريشا بموقف صعب.

 

لا يمكنها التملص منه ومن مفاعيله وتبعاته، وظنت قريش أنها حصلت على ما تريد، فصاح الناس أنصفتنا يا أبا طالب، فلما فتحت الصحيفة فإذا هي كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر المسلمون، وبهت المشركون، فقال أبو طالب أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة؟ فأسلم يومئذ كثير من الناس كما يذكر الرواة، ولكن قريشا ظلت على موقفها ونقضت اتفاقها مع أبي طالب حتى جاء بعضهم ونقضوا الصحيفة، فخرج الهاشميون من الشعب، وهكذا قد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحن كثيرة، وحورب بأساليب شتى، فقريش أغلقت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وتعرضت بالإيذاء والتعذيب، والسخرية والاستهزاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

 

ثم حوصر بعد ذلك صلى الله عليه وسلم وصحابته ثلاث سنوات في شِعب أبي طالب، وقد صاحب ذلك الحصار الاقتصادي والاجتماعي جوع وحرمان، ونصب وتعب شديد، ومع ذلك كله فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في طريق دينه ودعوته، صابر لأمر ربه، ومعه أصحابه رضوان الله عليهم، وأن الحمية والرأفة أخذت نفرا من رجال قريش فتعاهدوا على نقض هذه الصحيفة الظالمة، وسعوا في ذلك حتى نقضت، وهؤلاء النفر هم هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وزهير بن أبي أمية المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي، ولقد صورت هذه المقاطعة قمة الأذى والظلم الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طوال سنوات ثلاث.

 

ومع ذلك كان فيها من الخير والدروس الكثير، فقد كانت هذه المقاطعة سببا في خدمة الإسلام ودعوته، فقد انتشر الخبر بين قبائل العرب من خلال موسم الحج الذي كان إعلاما بما تفعله قريش من الأذى، وتحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذلك، وثباتهم على مبادئهم، مما أثار سخط العرب على كفار مكة وتعاطفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما أن انتهى الحصار حتى أقبل الناس على الإسلام، وذاع أمره، وهكذا ارتد سلاح الحصار الظالم على أصحابه، وكان عاملا قويا من عوامل انتشار الإسلام ودعوته، عكس ما كان يريد ويأمل زعماء الكفر، وكان من الدروس أيضا هو الصبر والثبات وهو درس هام من دروس هذا الحصار وهذه المقاطعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى