مقال

نفحات إيمانية ومع ما بين الوفاء والخيانة “الجزء الرابع”

نفحات إيمانية ومع ما بين الوفاء والخيانة “الجزء الرابع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع ومع ما بين الوفاء والخيانة، وعندما أمر الله نبيه بإعلان البراءة من المشركين، ومنعهم من دخول مكة، جعل لمن لهم عهد عند المسلمين فسحة كافية ليبلغوا مأمنهم وذلك مراعاة من الله تعالى للعهود، فأعطاهم أربعة أشهر مهلة، ثم ينفسخ العهد، فلم يلغ ما تعاهدوا عليه بتا وقطعا، وإلا كان هذا من الغدر، فإذا انقضت المهلة كانوا في حل من عهدهم، وجاز للمسلمين قتالهم، ومع ذلك استثنى المعاهدين الذين حافظوا على العهد ولم ينقضوه، فقال تعالى فى سورة التوبة ” إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحد فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين” وعلى هذه الآية تكون البراءة ممن نقض العهد أو غدر.

 

فإنه أعطي رغم ذلك أربعةَ أشهر فسحة ليتدبر أمره، وحتى لا يقول إن المسلمين غدروا به، أما الذين حافَظوا على المعاهدة، فإن الله أمر بالوفاء لهم بالعهد، وهذه شريعة المسلمين، يحافظون بكل قوة على العهد، ويوفون لمن عاهدوه، فإذا كان النقض كان من طرف الأعداء، قال تعالى فى سورة التوبة ” كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة” وقال تعالى أيضا ” لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة” أي لا يُراعون في مؤمن عهدا ولا ذمة ولا أمانا فهم المعتدون دوما، وأكد على نكثهم للعهود في آية أخرى، فقال تعالى فى سورة التوبة ” وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلو أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون” فوصف غدرهم.

 

فهم لا عهد عندهم ولا أيمان يوثقون بها عهدهم لأنهم كفار، فقاتلوهم حتى ينتهوا من ضلالهم، وقد وصفهم الله بما يستحقون، فقال تعالى فى سورة الأنفال ” إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة وهم لا يتقون” وكانت المفارقة الكبيرة بين أهل الكفر وأهل الإيمان، هي بالوفاء بالعهد، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين” فإن الوفاء بالعهد شرف يحمله المسلم على عاتقه وهو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، بها تدعم الثقة بين الأفراد وتؤكد أواصر التعاون في المجتمع وهو أصل الصدق وعنوان الاستقامة وإن الوفاء بالعهد خصلة من خصال الأوفياء الصالحين.

 

ومنقبة من مناقب الدعاة المخلصين وهو أدب رباني حميد وخلق نبوي كريم وسلوك إسلامي نبيل، والوفاء بالعهد من شعب الإيمان وخصاله الحميدة ومن أهم واجبات الدين وخصال المتقين وخلال الراغبين في فضل رب العالمين فمن أبرم عقدا وجب أن يحترمه، ومن أعطى عهدا وجب أن يلتزمه لأنه أساس كرامة الإنسان في دنياه، وسعادته في أخراه، فإن الوفاء من صفات الله جل وعلا فهو أحق أن يُتصف به فقال الله تعالى فى سورة النور” وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، والوفاء من سمات أهل الإصلاح والإيمان.

 

فقال تعالى فى سورة البقرة ” والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ” والوفاء سبيل للوصول إلى أعلى الدرجات والقرب من رب البريات فقال تعالى فى سورة الفتح ” ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ” وإن الوفاء من صفات أولي الألباب أهل العقول النيرة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى فى سورة الرعد” إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ” وإن الوفاء من صفات الأنبياء والمرسلين فقال تعالى فى سورة النجم ” وإبراهيم الذي وفى ” وقال تعالى فى سورة مريم “واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ” وإن العهود التي يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة، وأقدسها ذمة، هو العهد الذي بين العبد والرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى