مقال

الدكروري يكتب عن الموت هو بداية الحياة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الموت هو بداية الحياة
بقلم/ محمـــد الدكــــروري

إن القرآن الكريم قد صور لنا الموت على أنه بدء الحياة، وفى حديث القرآن الكريم عن المجرمين وعن المؤمنين نسمع في كلا الموضعين أن الموت بدء الحياة، وبدء الحساب والثواب والعقاب، وإنه يلحق بالشهداء أيضا من مات حرقا، ومن مات غرقا، ومن مات مبطونا، ومن مات مطعونا، وعدد من المصاير الفاجعة التي تصيب الناس، والأصل في هذا ما جاء في الحديث الشريف “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” فإذا مات مؤمن في حادث من هذه الحوادث المحزنة المتعبة فهو يلحق عند الله بالشهداء، ولكن هل الشهداء تستوى منازلهم عند الله؟ فإنه لا، وإن كانت الشهادة فعلا ختاما حسنا لحياة الإنسان، إلا أن الناس الذين استشهدوا درجات.

فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا” وفى حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “الشهداء أربعة رجل، رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته، يقول الراوي فلا أدرى قلنسوة عمر بن الخطاب أراد، أم قلنسوة النبي صلى الله عليه وسلم، قال ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو، فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجُبن، أتاه سهم غرب فقتله، فهو في الدرجة الثانية، ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الثالثة.

ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الرابعة” وإن الناس درجات، والحساب الإلهي دقيق، والناقد بصير، فيجب أن ننقب في أنفسنا، وأن نعلم مَن نعامل، والشهداء الذين ذهبوا إلى الله تعالى على اختلاف أماكنهم ودرجاتهم لهم نماذج في التاريخ القديم والحديث، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى هذه النماذج، ما أحوجها أن تعرف من رجالها الكبار، ومن أبطالها الذين تأخذ منهم الأسوة، ذلك لأن أعداء الإسلام ما طمعوا فيه، ولا نالوا منه، ولا تجرؤوا عليه، إلا لأن أمتنا ثشبثت بالحياة على الأرض، وأخلدت إلى الهوى والشهوة، وقاتلت على الحطام الفاني، ونافست فيما لا وزن له عند الله عز وجل، ويقول التاريخ إن الدولة الفارسية برغم أنها هزمت في معركة القادسية وسقطت عاصمتها.

بقيت تقاوم مقاومة عنيدة حتى خشي على بقاء الإسلام هناك، فدخل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه المسجد، وتفرس في الصفوف، ليختار قائدا من المصلين يبعث به إلى فارس فنظر فإذا النعمان بن مقرن رضي الله عنه يصلي، فذهب إليه وقال له يا نعمان، أريد أن أستعملك في عمل، فقال له النعمان إن كان جابيا فلا، أي إن كنت تريد أن تبعثني لأجيء بمال، فلا، فقال له بل بعثتك لتقود جبهة المسلمين في فارس، فقال نعم، وذهب النعمان ليقود المعركة الحاسمة في فارس، والمعركة التي أجهزت على النفوذ الفارسي تماما، وأخمدت أنفاسه إلى الأبد، وتسمى المعركة في التاريخ معركة نهاوند، فإن الرجل قبل أن يهجم قال للمسلمين إني هاز لوائي ثلاثا، وإنى داع فأمّنوا، ودعا فقال اللهم ارزق المسلمين نصرا.

وارزقنى فيه الشهادة، وإن الحقيقة إذا تأملت في المعركة فسوف تستغرب، حيث يقول المؤرخون إن المعركة بلغ من ضراوتها وكثرة ما سفك من دم فيها أن الخيل كانت تنزلق على الصخر من كثرة ما سفك من دم وقاد النعمان بن مقرن المعركة، وأصيب بجرح قاتل وسقط، ولكنه سقط حيا، وقاد المعركة رجل آخر من المسلمين، وانتصر المسلمون، وجاء البشير إلى النعمان وهو جريح يقول له انتهت المعركة، فقال على من الدائرة؟ قال على أعداء الله، فحمد الله تعالى ومات، فيجب علينا أن ننظر إلى الرجل القائد خريج المسجد، الراكع الساجد، الرجل الذي أبى أن يذهب في منصب ينتظر أن يغنم منه شيئا، أو يفيد منه خيرا، واشترط على الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أول ما حدثه ألا يذهب في منصب من هذه المناصب.

ثم لما دعا ناس كثيرون قد يفكرون في أن يعودوا إلى بلدهم ليجنوا ثمرة النصر الذي أحرزوه، تلتف حولهم الجماهير، يهتفون لهم، يهنئونهم، يضعون الألقاب وراء أسمائهم، ولكن النعمان احتقر هذا كله وطلب النصر للمسلمين، والشهادة للنعمان، ولذلك لما جاء البشير إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالنصر، فقد سأل عمر رضى الله عنه، ما فعل النعمان؟ قال قتل، فخرج إلى الناس فنعاه إليهم على المنبر، ووضع يده على رأسه وبكى، فكان هذا شهيد من قادتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى