مقال

كذبة الإصلاح والتغيير

جريدة الاضواء

كذبة الإصلاح والتغيير

كتب / يوسف المقوسي

 

من نحن؟ هل نحيا عصرنا؟ هل مستقبلنا أمامنا؟

لدي حدس بأننا نحيا على نفايات الماضي. الماضي الذي اخترناه واخترعناه ليكون في ما بعد، حاضرنا القاتل والمقتول، ومستقبلنا المطفأ.

 

تاريخنا السيء السمعة، تاريخنا الجغرافي والسياسي والثقافي والديني والـ…

 

تاريخنا القاتل نحن قتلاه، هذا التاريخ يستحوذ علينا ونأتمر بكذبه وادعائه النقاء المعرفي.

 

الفلسطينيون ماضٍ لا يمضي. كل شيء حولهم يتغير أمامهم، فسيستحوذ عليهم الهراء والاعتداء الأجوف وادعاء من يشبهنا بالصواب، وتأثيم من ليس منا، بالتخلف والارتهان والقذارة السياسية.

 

هم موتى تقريباً ولا يتجرأ أحد على دفن موتاه. الفلسطيني، الى أي حيز سياسي، او حارة حزبية، او مغامرة اتباعية، او ادعاء بمهمته الالهية أو…

هذا الفلسطيني يقتات من افكار ميتة، بديدان سياسية وثقافية عفنة ونجسة. معتقدات الفلسطينيين لا حياة فيها. انها ميتة، بمقام “القداسة”. تراهن على قوى مساندة في معركة البقاء للأسوأ. لا مستقبل ابداً. الماضي بسخفه واغاليطه ومنكراته العفنة يستحوذ علينا. افكارنا الميتة تتداول بفخامة فارغة، كأنها هي التاريخ.

 

لندع الموتى الذين يحكمونا، ينجزون مهمتهم: رعاية الموتى قبل دفن كل احلامهم العادية. ليس من حصة الفلسطيني ان يحلم. احلام الفلسطينيين يتيمة. لا تحصي ابداً الفلسطينيين الذين تفوقوا في اوطانهم الاغترابية. ولا تحصي الفلسطينيين الذين نجحوا في التحليق بأجنحتهم التنظيمية، المصنوعة قصداً، لتكون البلاد، مسرحاً للزمن السياسي والمالي والعقدي والديني والاقتصادي والمعرفي.

 

قاموس السياسة في فلسطين صالح ليكون دليلاً للنجاح في عالم الفساد والافساد. في عالم النهب “المقدس”. في عالم ركوب الناس واحتفال الناس، على اختلاف مذاهبهم، على اكتاف اشاوس السلطة واحذيتها المسرعة الى ترجمة الفساد، مالاً ومواقع وخطباً.

ان كل يوم اضافي، هو يوم مخيف.

هل تتذكرون أننا موعودون بالجحيم ؟.

 

كثيرون يلومونني لأني لا اكف عن الهلع. يوماً بعد يوم. تزداد فلسطين والشعب الفلسطيني كآبة وفراغاً واقتراباً من الهاوية الحتمية. تقترب لغتها من الكذب الحلال. لغة الاعلام مخيفة. الكذب هو الوحي الدائم. رهان على غلبة الخصم (ابن دين او عدو آخر) وارغامه على ان يلتزم اللغة المضادة. “فالضد يظهر بؤسه الضد”.

 

تاريخ فلسطين ، صورة طبق الاصل عن سيرتها السياسية. الاذكياء والحياديون ومحترفوا الحقائق، رأوا ان مستقبل فلسطين ابن ماضيها المعطوب. افكارها ميتة. عقائدها سائبة. خوفها متبادل. شجاعات مشحونة بأحقاد. انها عالم من الغيلان. لا أحد يستطيع ان يقرأ في كتب الآخرين. الاختلاف عادة، يكون نعمة في فضاء الحرية. هنا، الاختلاف نقمة، ولا بد من استدعاء الغريب، ليقيم سلماً كاذباً مع هدية غزيرة الارباح: سرقة الدولة والناس، وتأمين مبرم، بأن السارقين امراء، والمسروقين يرقصون كغيلان جائعة، لافتعال معركة، او لصد فجر جديد، يولد من اوجاع الناس الطيبين، الذين يراهنون على الخروج من الجحيم. هؤلاء فقط، هم الفلسطينيون، الذين يتفيأون الحرية والعدالة والمساواة، ولا يجدون في الممنوعات الدينية والسياسية، إلا خنقاً للحرية وقتلاً للإنسانية.

نظامنا السياسي – الجهنمي – الحزبي، هو أعتى نظام ولد معطوباً بطاعون حيوي، انتقل من عقد الى عقد آخر وها هي الخاتمة المديدة.

إنه بلد حيوي جداً. ليس من شيطان، اشد عبقرية، من شياطين فلسطين المخلدين والمعبودين. فلسطين هي في حالة دوار دائم. والشعار القاهر هو اياك ايها القائد ان تتخلى عن الهراوة الاقتصادية المالية، من دونها، تأكلنا “الجماهير” وتنهال علينا الكوارث.

أما بعد،

 

هناك وجه آخر لفلسطين . هو وجه الاسئلة الجديرة بالوقوف عندها.

 

فلسطين حالياً وماضياً، كانت محتلة وما زالت.

لكن المساحة مخترقة برجال ونساء وشباب وصبايا، جاؤوا من دون اديانهم وأحزابهم. لا يحملون اثقال الطغاة، او جماعة الاصطفاء الديني والمذهبي والعائلي. وهم، يؤمنون، بأن فلسطين الوعد، جميلة غنية، مرتع ثقافي، مبدع مجنون، وايمانهم هذا صواب، ولكنه ممنوع ان يصيب هدفه: بناء فلسطين الجديدة بدعائم القيم السياسية، وليس بزعامات من كفر بالأوطان والقيم.

 

فلسطين العار تستعيد رجولتها من كذبة صانع الأزمات، الى صانع المعجزات: وأشهر معجزاته، انه قد خرَّب البلد مراراً. ويتنطح “فلسطينه”، وتكون فلسطين على صورته ومثاله. ما أفظع هذه الصورة.

 

وللتأكيد على ذلك، اليوميات الفلسطينية، بقيادة اصحاب المتاريس التنظيمية، لا تشهد الا مراوحة لا مَللَ فيها، بهدف اعادة تشكيل فلسطين الناس هذا، بفلسطين المشلولة ابداً. والدليل في الجواب عن السؤال: “هل هؤلاء المخربون، هم قادرون على انتاج فلسطين عادية جداً؟ أُيصدق أحد ان الذين اغتالوا الوطن مراراً، مستعدون لمغادرة مواقعهم”.

 

نحن في فلسطين ، ولا بد من تهنئة مسموعة لعباقرة الخراب الفلسطيني. ولا بد من متابعة مشاوراتهم، لإنجاب قائد جديد، يتمتع بطاعة عمياء، لمجموعة ابالسة الأحزاب, هل يعقل ان يؤلفوا حكومة غير محكومة؟ ثم، هل هؤلاء، ومن مثلهم، الذين ارتكبوا الانهيار المستدام، يسعون الى رد جزء يسير من الأموال التي نهبوها ، من سياسيين ورجال دين؟

 

لا نتحدث عن المستحيلات التي ابتدعتها سياسات العهر والكلمات المسنونة.

من يصدق، انه مع هؤلاء، ستشفى فلسطين ، وتستعيد خبزها، وتضيء بيتها، باستهلاك متواضع؟

 

لا فائدة من تلاوة النهايات. كل شيء انتهى في فلسطين, لا تبحث عن قضاء. لقد قضى على نفسه. لا تبحث عن الفساد. فشرنا. دين الدولة الفساد، والحكام وزبانيتهم، اصحاب اختصاص في اقناع الاتباع، بأن فلسطين ضحية الصراع الدولي-الاقليمي. كذب، لا تبحث عن كل المؤسسات والوزارات. مساراتها نسخة طبق الاصل، عن خريطة الانهيار. لا تسأل عن المدرسة، عن الكتاب، عن الماء، عن الغذاء، عن الدواء، عن الذل، عن الاكراه.. وعن تجييش الناس في يوم الانتخاب.

 

رئيس مجلس نواب، ورؤساء احزاب، من اليمين الرجعي، الى اليسار المعبأ بألغام يسارية، الى المؤسسات كافة.. الى……

 

هل هؤلاء، الذين راكموا الخراب والثروات قادرون على ايجاد تسوية، ولو كانت مهلهلة؟

 

ألا تسمعون ما يقولون؟ لم يتغير شيء في خطابهم السياسي. هم هم. هؤلاء. سيوكل إليهم ايجاد الحلول المستحيلة، برعاية غربية واميركية وعربية خليجية وقوة ايرانية مسيطرة. وتحت اعين “اسرائيل”. ثم، هل هؤلاء سيكون على عاتقهم بدايات التغيير. طبعاً، ستتغير فلسطين الى الاسوأ .

 

يمكن الاستفادة من مساهمات المراجع الدينية لنتأكد من الاصلاح الصغير جداً، سيكون على صورة النزاع العلني، بين مرجعيات مارونية وسنية وشيعية ودرزية.

 

من زمان، وأنا ابحث عن تفاؤل.

 

يقال، لا ماء في صحراء. الصحراء الفلسطينية لا تنجب إلا الاستعطاء.

 

المستقبل الفلسطيني، اسوأ من حاضره وماضيه.

 

هنا، تجوز اللعنة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى