مقال

نفحات إيمانية ومع ما بين الوفاء والخيانة “الجزء الثانى”

نفحات إيمانية ومع ما بين الوفاء والخيانة “الجزء الثانى”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى ومع ما بين الوفاء والخيانة، ولقد وصانا الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم فقال تعالى فى سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد” فالعقود جمع عقد، وهو العهد الموثق، والمراد بالعقود هنا ما يشمل العقود التي عقدها الله علينا، وألزمنا بها من الفرائض والواجبات والمندوبات، وما يشمل العقود التي تقع بين الناس بعضهم مع بعض في معاملاتهم المتنوعة، وما يشمل العهود التي قطعها الإنسان على نفسه، والتي لا تتنافى مع شريعة الله تعالى، وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره للآية السابقة المعنى هو أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقدكم بعضكم على بعض.

 

 

 

وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم “المؤمنون عند شروطهم” وقال أيضا “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط” فبيّن أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله، فإن ظهر فيهما ما يخالف ردّ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” وروى ابن أبي حاتم أن رجلا أتى عبدالله بن مسعود فقال اعهد إليّ، فقال له إذا سمعت الله يقول “يا أيها الذين آمنوا” فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الوفاء بالعهود التي شرعها الله تعالى وهذا المعنى تزخر به سورة المائدة في كثير من آياتها.

 

ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة في الوفاء بالعهد، فها هو يأمر عليّ بن أبي طالب أن يبيت في فراشه ليلةَ الهجرة كي يردّ الأمانات إلى أهلها، أوليس هو القائل “أدى الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك؟” وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاهد سهيل بن عمرو في الحديبية، فيأتي أبو جندل بن سهيل بن عمرو مستصرخا مستنصرا، فيرده رسول الله وفاء بالعهد، وها هو أبو بصير يأتي إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، فترسل قريش في عقبه رجلين يأخذانه، فقالا يا محمد، رده إلينا بالعهد الذي بيننا وبينك، فرده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وفاء بعهده، غير أن أبا بصير صلى الله عليه وسلم مكنه الله من أحد الرجلين فقتله.

 

وفر الآخر عائدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فلما رآه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال إن هذا رأى ذعرا، فإذا بأبي بصير يأتي ثانية قائلا يا نبي الله، قد أوفى الله ذمتك ونجاني الله منهم، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ويل أمه مسعر حرب” وهنا علم أبو بصير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة راده إلى قريش، وفاء بالعهد الذي بينه وبينهم، فهرب أبو بصير إلى منطقة تسمى سيف البحر، عند البحر الأحمر، ومكث بها ولحق به أبو جندل بن سهيل وكل من أسلم من قريش فجعلوا يرهبون قريشا، ويأخذون قوافلها، حتى استغاثت برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهؤلاء النفر باللحاق به في المدينة .

 

وبذلك يكون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل الأعلى في الوفاء بعهده، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم المثَل الأعلى في الالتزام بالأخلاق العالية، والوفاء في بيعهم وشرائهم، بل فتحوا بلادا بأكملها بحُسن خلقهم، فمن المعلوم لمن قرؤوا التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية العطرة أن أخلاق الصحابة كانت تجذب الناس للدخول في الإسلام، كما جرى وحدث بالفعل في بلاد السند، حيث فتحت هذه البلاد دونما أن يُراق دم، بل فتحت بأخلاق الصحابة، من وفاء وأمانة وصدق، إذ كان الناس يرونهم، فيعجبون بأخلاقهم، فيسألون عنهم مَن هؤلاء؟ فيقال لهم هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيسألون ومن محمد هذا؟ فيقال لهم هذا نبي جاء بدعوة الإسلام، فيقبلون على دين الله أفواجا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى