مقال

المؤذن الصغير,,,,,,

المؤذن الصغير,,,,,,

بقلم/ أحمد عيسى

ذات يوم بكَّر “بلال” إلى صلاة الظهر، فألفى باب المسجد مُشرعاً، فدخل وركع ركعتين خفيفتين، ثم التفت يَمنة ويَسرة فلم يجد أحداً في المسجد، وبدا له أن مؤذن المسجد كان يتوضأ.

سمع “بلال” صدع المساجد المحيطة بالأذان، فأوقد زِرّ مكبر الصوت، ثم أذن بالصلاة بصوت عذبٍ بريء مُحكمٍ ورقيق.

لم يلبث المصلون أن توافدوا إلى المسجد تِباعاً، وبعد أن انتهوا من نافلة الظهر القبلية طفقوا يسألون عمن أذَّن ليقيم الصلاة، فإذا بـ”بلال” ينبري ليقيم الصلاة وسط رضا وإعجابٍ من المصلين!

انصرف “بلال” إلى المنزل مبتهجاً، ثم أخبر والدته بأذانه وإقامته ففرحت به أمه كثيراً وشجعته، ثم انتظر تائقاً مشوقاً مجيء والده من العمل وسرعان ما ابتدر “بلال” أباه بقصته مع الأذان هزجاً بمجرد دخول الأب البيت..

بلال: أبي، آليت على نفسي أن أذهب إلى المسجد مبكراً قبيل كل صلاة، لا سيما وأنا حر طليق أتمتع بالإجازة الصيفية.

الأب: التبكير إلى المساجد من أبواب الخير.. لكن ما دافعك إلى هذا؟

بلال: باعثي هو الرغبة لأن أصدع بالأذان عند كل صلاة.

الأب: هل يسرُّك أن تؤذن بالصلاة لكل فريضة؟

بلال: نعم..

الأب: وهل يصنع المرء كل ما يشتهيه ويعجبه؟

بلال: ولم لا.. ما دام يشتهي خيراً مباحاً؟!

الأب: ماذا تحبُّ من الفاكهة؟

بلال: أحبُّ الفواكه كلها.

الأب: أخبرني بأحبها إلى قلبك وأدناها إلى نفسك.

بلال: “الموز”.. سمتُه وشَكْله.. رائحتُه وطعمُه.. مع سهولة قشره ومضغه.

ثم أوعز الأب إلى زوجته “أم بلال” أن يمكثا أسبوعاً لا يشتريان أي نوع من الفاكهة إلا “الموز”.

بلال: أبي، قد مللتُ من “الموز”، أكلتُه كثيراً، وطعمته عصيراً، ولم يبقَ إلا أن تصنع أمي منه خبزاً أو فطيراً!

الأب: ألست تحب الموز وتشتهيه وهو الفاكهة المفضلة إليك والأثيرة لديك؟!

بلال: نعم يا أبي.. لكن هناك فواكه كثيرة لذيذة أيضاً وجميلة!!

الأب: ولم عزمت إذاً على أن تؤذن وحدك لكل صلاة مكتوبة؟!

بلال: أبي، قد علمتَني أحكام تجويد القرآن الكريم، وآداب الأذان، ثم إن صوتي عذب وليس بخفيض.

الأب: نعم.. لكن الناس يملون ويسأمون، كما مللتَ وسئمتَ من “الموز” فكن مطلوباً يا “بلال” وازهد.. ولا تكن طالباً فتُنبذ.

قد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يتخول الصحابة بالموعظة، كما كانت خُطبُه قليلة الكلمات عظيمة المعاني والبينات لو أحصاها العادّون لأحصوها.

بلال (خجلاً): فهمتُ الآن لم لا أراك تبادر يا أبي إلى إمامة المصلين، إلا أن يكون الإمام الراتب غائباً لعلةٍ أو مرض، أو يُقدمك بعض إدارة المسجد في إصرار منهم وعزيمة.

الأب: نعم.. ففي الصحيح، كَانَ عَبْدُاللَّهِ بنُ مَسْعُود يُذَكِّرُ النَّاسَ في كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ؛ لوَدِدْنَا أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا في كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِى مِنْ ذَلِكَ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّى أتخوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ (صلى الله عليه وسلم) يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.

بلال: أدركت الآن يا أبي هدفك ومُرادك ووعيت قصدك ومرامك، لكن اسمح لي أن أكون من المرابطين في المسجد لأبادر بسد ثغرة الأذان إن لم يكن هناك أحدٌ من الكبار ينهض بها.

الأب: أحسنت يا بُني، فمن رام شيئاً وُكل إليه، ومن طُلب لشيء أُعين عليه.

وفي الصحيح: أن النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ لعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ؛ لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وإن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا.

بلال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى