مقال

نفحات إيمانية ومع رسول الأمة “جزء 9” 

نفحات إيمانية ومع رسول الأمة “جزء 9”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع رسول الأمة، وقال العز بن عبد السلام رحمه الله، ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعى أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم، وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه، وناده بوصف كان يحبه صلى الله عليه وسلم وصف العبودية في مواضع تدل على التعظيم والتبجيل لأن لفظة العبد تطلق ويراد بها معان كثيرة، منها العبودية العامة، وهي لجميع الناس، برهم وفاجرهم.

 

ومؤمنهم وكافرهم وبرهان هذا هو قوله تعالى فى سورة مريم ” إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا” وكذلك العبودية الخاصة وهى للمسلمين والمؤمنين بصفة عامة، وهذه خاصة بالمؤمنين، وأمثلة هذا في القرآن كثيرة جدا، وأيضا عبودية خاصة الخاصة كما قال بعض العلماء، أو نقول عبودية خاصة بصفة خاصة، وهذه للأنبياء والمرسلين، وذلك إذا كانت لفظة عبده مضافة إلى ضمير الجلالة، كما هو مصطلح القرآن، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى الله تعالى إلا مرادا به النبي صلى الله عليه وسلم والإضافة إضافة تشريف لا إضافة تعريف لأن وصف العبودية لله متحقق لسائر المخلوقات.

 

فلا تفيد في إضافته تعريفا، وكما أن هناك عبودية الدرهم، والدينار، والخميصة، والخميلة، لقوله صلى الله عليه وسلم “تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن منع غضب، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش” وهذا تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته من الإيغال في هذه الدنيا وأن تكون أكبر همهم، فبيّن أن العبد الذي يجمع الدنانير والدراهم ويرضى بذلك وهو أكبر همه ويصرف وقته وطاقته وجهده وشبابه في جمع الدراهم والدنانير أو جمعِ الخمائل والخمائص وهي أنواع الملابس أو ما يشبه ذلك من ضروب هذه الدنيا ومما فيها، فإنه قد تعس، وقوله صلى الله عليه وسلم “تعس”

 

وهو دعاء عليه بالهلاك، عبد الدينار “عبد الدرهم” وهو الذي يتوقف رضاه على إعطائه الدينار والدرهم، وسخطه على عدم ذلك، وهذه منقصة تدل على أن الدنيا إنما هي معبر وليست بدار إقامة، ووسيلة وليست غاية لكن من خالط قلبه الإيمان كان بخلاف ذلك فيستقل الدنيا ويستضعفها، ويزهد فيها إن لم تكن من طريق حلال، وما عطف على الدينار والدرهم فهم في حكمه كقوله “تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة” والخميصة والخميلة نوعان من الثياب أي الذي يرضى بوجودهما ويغضب عند فقدهما، وقوله صلى الله عليه وسلم “انتكس” معناه رجع على عقبيه، وختم له بخاتمة السوء، ومعلوم أن العبرة بالخواتم، ثم بالغ في وصفه.

 

فقال صلى الله عليه وسلم “إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط” وزاد دعاء عليه فقال صلى الله عليه وسلم “تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش” ومعنى هذا دعاء عليه إذا وقع في ورطة لا يخرج منها, أي دعاء عليه بالبقاء فيها وعدم الخلاص منها، وقوله صلى الله عليه وسلم “وإذا شيك فلا انتقش” معناه إذا أصابته مصيبة دنيوية مثل الشوكة مثلا فلا انتقش، معناه لا أزيلت عنه ولا أخذت عنه بالمنقاش الذي يزال به الشوك، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا عن اتباع الدنيا، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ففضل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء عليهم السلام بأن أعطاه جوامع الكلم، فكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ، الكثير المعاني وقد أعطاه الله عز وجل مفاتيح الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى