مقال

نفحات إيمانية ومع محمد الرحمة المهداة “جزء 8” 

نفحات إيمانية ومع محمد الرحمة المهداة “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع محمد الرحمة المهداة، فقد كانت الحوادث الكونية تؤثر في ذاته صلى الله عليه وسلم، فيظهر أثر ذلك على وجهه الشريف، ويهرع إلى العبادة والذكر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ” كانت الريح الشديدة إذا هبت، عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء، أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه، وقالت السيدة عائشة فسألته فقال صلى الله عليه وسلم “ما أدري لعله كما قال قوم “فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم” وعنها رضى الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته.

 

إنما كان يتبسم، قالت وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه، فقالت يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية، قالت فقال صلى الله عليه وسلم “يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا” وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال صلى الله عليه وسلم “هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئا من ذلك، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره”

 

وعن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففزع، فأخطأ بدرع، حتى أدرك بردائه بعد ذلك” وهكذا من شدة سرعته واهتمامه بذلك أخذ درع أهل بيته ودرع المرأة قميصها سهوا، حتى أدركوه بردائه، وأيضا بكاؤه صلى الله عليه وسلم من خشية الله تعالى، فعن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اقرأ عليّ” قال قلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال صلى الله عليه وسلم “إني أشتهي أن أسمعه من غيري” قال فقرأت النساء، حتى إذا بلغت قوله تعالى ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا” قال صلى الله عليه وسلم لي ” كفّ، أو أمسك” فرأيت عينيه تذرفان”

 

وعن عبدالله بن الشخير قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني من البكاء” وكيف لا، وهو القائل صلى الله عليه وسلم ” عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله” ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل، وقدم أعظم الصور في السماحة والتسامح، فأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم جاءت متطابقة تمام التطابق، فلا تناقض بين ما يدعو إليه وبين ما يُطبقه، وصور تطبيقه لهذا الخُلق الكريم شملت كل من تعامل معهم فوجدناها مع أصحابه وأعدائه، وفي السلم والحرب، فضلا عن سماحته مع أهل بيته وجيرانه، وكذا سماحته في البيع والشراء والقضاء، والأخذ والعطاء.

 

ولقد أرسى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مبادئ السماحة والتسامح بين الناس من غير ذل، ولا إخلال بعزة الإسلام وكرامة الإنسان، فقد ضرب المثل الأعلى في العفو عمن ظلمه، وإعطاء من حرمه، وصلة من قطعه، كل ذلك تسامحا منه صلى الله عليه وسلم وتواضعا لربه ورحمة بالناس وإحسانا إليهم، وإن من أهم صور سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم، هو سماحته وتسامحه مع أعدائه، فإنه من يطالع السيرة النبوية ويقلب صفحاتها يجد أنها مليئة بتسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه في مواقف شتى فقد دفع ديات من قتل منهم خطأ، وعفا عن كل معتدى مسيء منهم جاء تائبا، وكان يشيّع جنائزهم، ويحضر ولائمهم، ويأكل من أطعمتهم، ويتعامل معهم في التجارة، ويقترض منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى