مقال

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع المسلمون وحضارة الإنسانية، ومن الأمثلة على هذه الدراسات ما كتبه الكندي وفخر الدين الرازي وابن الجزار والتميمي وابن النفيس، حيث غطت كتاباتهم عدد من الموضوعات المرتبطة بالتلوث مثل التلوث الجوي وتلوث المياه وتلوث التربة وسوء التصرف بالمخلفات الصلبة وتقييم التأثير البيئي في مواقع معينة، وجد في القرطبة في الأندلس أول صناديق قمامة وأول منشآت لجمع القمامة والتخلص منها، فإن كل أمة من الأمم لديها ما تفاخر به من رجال خطوا أسماءهم في منجزاتها، أو أيام كانت موعدا لانتصارها ومجدها، أو أحداث أظهرتها وأشهرتها، ولقد امتازت أمة الإسلام عن سائر الأمم بأنها أمة كتابها محفوظ، ودينها موروث، وعلى وفق دينها بنت حضارتها.

 

وسنت تشريعاتها، وتعاملت مع غيرها فكانت أمة حق وعدل ورحمة حين كان غيرها من الأمم أهل باطل وظلم وقسوة، وإن حضارة الإسلام هي أوسع الحضارات امتدادا عبر الزمان والمكان، فعمت أرجاء الأرض، وحكمت العالم ثلاثة عشر قرنا، ورغم هذا الاتساع الهائل والمدة الطويلة فإنها أقل الحضارات البشرية سفكا للدم، وتعذيبا للبشر، ونشرا للجوع والفقر لأن دعاتها فتحوا قلوب الناس للإسلام قبل فتح بلدانهم بالسنان، ورأى الناس منهم الرحمة والعدل والإحسان فسلموا لهم، وفضلوهم على حكم غيرهم، وأكثر بلاد الأرض إبان الفتوح دانت للمسلمين سلما، ورضي أهلها بحكمهم قبل الحرب، وطالب نصارى حمص أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أن يستمر في حكمهم ولا يتخلى عنهم لبني دينهم.

 

وبعد فتح سمرقند ادعى أهلها أن الفاتحين المسلمين لم يخيروهم بين الإسلام والجزية والحرب، فقبل قاضي المسلمين حجتهم، وحكم لهم، وأمر جند المسلمين بإخلائها وتخييرهم قبل فتحها، فأسلم أهل سمرقند؛ لأنهم لم يروا لهذا العدل مثيلا وقد وطئ أرضهم غزاة كثر، وفي فتح القسطنطينية بكى رهبانها من عدل المسلمين فيهم، وإكرامهم لهم، وقد قارنوا عدلهم بظلم الكاثوليك لهم لما استباحوا بيزنطة وارتكبوا فيها المذابح، واغتصبوا النساء، وخربوا العمران، ونهبوا آثارها، رغم أنهم على دينهم، وكانت الدولة الإسلامية تعني بالمرافق الخدماتية والعامة بشكل ملحوظ، فكانت تقيم المساجد ويلحق بها المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات في عصرها ودواوين الحكومة.

 

والحمامات العامة ومطاعم الفقراء وخانات المسافرين على الطرق العامة ولاسيما طرق القوافل التجارية العالمية، وطرق الحج التراثية كما كان على طريق الحج من دمشق إلى الحجاز وإنشاء المدن والخانقاهات والتكايا المجانية للصوفية واليتامى والأرامل والفقراء وأبناء السبيل، وأقيمت الأسبلة لتقدم المياه للشرب بالشوارع، وكان إنشاء المستشفيات الإسلامية سمة متبعة في كل مكان بالدولة الإسلامية يقدم بها الخدمة المجانية من العلاج والدواء والغذاء ومساعدة أسر المرضى الموعزين وكلمة باريمستان بالفارسية هو مكان تجمع المرضى، وكلمة مستشفى معناها بالعربية مكان طلب الشفاء لهذا كان الهدف من إنشاء هذه المستشفيات غرضا طبيا وعلاجيا بعكس المستشفيات في أوروبا وقتها.

 

حيث كانت عبارة عن غرف للضيافة ملحقة بالكنائس والأديرة لتقدم الطعام لعابري السبيل أو ملاجئ للعجزة والعميان والمقعدين ولم تكن للتطبيب وكان يطلقون على هذه الغرف كلمة مضيفة، وهي مشتقة من كلمة ضيافة وأول مستشفى بني بإنجلترا في القرن الرابع عشر ميلادى بعد انحسار الحروب الصليبية عن المشرق العربي، بعدما أخذ الصليبيون نظام المستشفيات الإسلامية والطب العربي عن العرب، وكان أول مستشفى في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك سنة ثمانى وثمانين من الهجرة، في دمشق، وكان الخلفاء المسلمون يتابعون إنشاء المستشفيات الإسلامية الخيرية باهتمام بالغ، ويختارون مواقعها المناسبة من حيث الموقع والبيئة الصالحة للاستشفاء وبناؤها بعيدا عن المناطق السكنية حسب الاتساع السكاني للمدن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى