مقال

نفحات إيمانية ومع إياس بن معاذ الأنصاري ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع إياس بن معاذ الأنصاري ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع إياس بن معاذ الأنصاري، فالمسألة في الحقيقة قلبية بحتة، فهذا قلب قاسى معزول عن ذكر الله، وقلب خاشع يلين لذكر الله، فليس هناك ظلم ولا إجحاف، إنما العبد في الواقع هو الذي يختار بقلبه، ويحدد بإرادته، والله يهدي أصحاب القلوب الرقيقة، ويضل الغلاظ القساة، وهذا منتهى العدل والحكمة، وإن من المؤكد أن هناك عوامل كثيرة كانت سببا في رقة قلب إياس بن معاذ، وغلظة قلب الآخر أبي الحيسر أنس بن رافع، ولكن يبرز هنا عاملان مهمان لهما أكبر الأثر في تحديد مسار كل واحد منهما، أما العامل الأول فهو عامل السن، فالشباب هو أقرب إلى الدعوة من الكبار، وإن كانت الدعوة موجهة إلى الاثنين معا.

 

لكن اقتضت طبيعة الأمور أن قلوب الشباب أكثر رقة، وأقرب إلى قبول الدعوات الجديدة الصالحة، بعكس القلوب التي ران عليها ما كانت تكسب من الذنوب والخطايا والأفكار، فهذا عامل مهم، وأما العامل الثاني، فهو عامل المنصب والقيادة، فالزعماء بطبيعة الحال، رافضون للدعوات الإصلاحية والدينية بشكل عام، إلا مَن رحم الله، وذلك خوفا على مناصبهم وأوضاعهم القيادية، فهم لا يحبون التحول إلى التبعية لغيرهم حتى لو كان نبيا، وهكذا كان الوضع في كل مسيرة الإنسانية، وهكذا كان الوضع هنا مع إياس بن معاذ وأصحابه، فكان أبو الحيسر أنس بن رافع هو زعيم الوفد، الذي لا يكفيه أن يرفض الإسلام، بل يجتهد في منع أتباعه من الخروج عن طاعته إلى غيره.

 

ولذلك لم يتردد في ضرب إياس بن معاذ عندما طرح فكرة قبول الإسلام، لا ليمنعه هو فقط من اعتناق الإسلام، ولكن ليُرهب بقية الوفد ويقطع عليهم طريق التفكير في الدين الجديد أما إياس بن معاذ فغلام بسيط يبحث عن الحقيقة المجردّة، وليس له منصب يخاف عليه، بل هو في الحالتين تابع، إما تابع لأنس بن رافع، وإما تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَم فقرار إسلامه أيسر بكثير من قرار الزعماء، ولقد ضاعت على أنس بن رافع فرصة الإسلام، ولعله مات مبكرا بعد هذا اللقاء، وهكذا أضاع أنس بن رافع فرصة ثمينة للعتق من النار على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحياة فرص، وما ذهب قد لا يعود مطلقا.

 

وللعجب فإنه على الرغم من أن أنس بن رافع كان يمنع الناس من الإسلام فإن الإسلام قد اخترق بيته رغما عن أنفه بعد موته، فقد أسلم ابنه الحارث بن أنس رضي الله عنه، وشارك في بدر، ثم استشهد في غزوة أحد، وقد أسلمت ابنته أم إياس بنت أنس رضي الله عنها، وتزوجت الصحابى الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهنا ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة يوسف ” والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” وكان سويد بن الصامت رضي الله عنه من الخزرج، وهذا إياس بن معاذ رضي الله عنه من الأوس، وكأن الله عز وجل قد أراد أن تصل دعوة الإسلام إلى القبيلتين معا، ومع أن الرجلين لم يقوما بدعوة كبيرة للإسلام نظرا إلى موتهما المبكر، فإن إسلامهما كان وكأنه تمهيد للمدينة لتتلقى بعد ذلك دعوة الإسلام بشكل أكبر بعد عام من موت هذين الصحابيين الكريمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى