مقال

نفحات إيمانية ومع التفكر فى كتاب الله عز وجل ” جزء 8″

نفحات إيمانية ومع التفكر فى كتاب الله عز وجل ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع التفكر فى كتاب الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ آيات من سورة فصلت ” بسم الله الرحمن الرحيم ” حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون، بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ” ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلوا الآيات وعتبة يستمع، وفجأة جلس عتبة على الأرض، ثم اهتز جسمه، فألقى يديه خلف ظهره، واتكأ عليهما، وهو يستمع ويستمع والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو، ويتلو، حتى بلغ قوله تعالى من سورة فصلت ” فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ” فانتفض عتبة لما سمع التهديد بالعذاب، وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ليوقف القراءة، فاستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلو الآيات حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة، فسجد، ثم رفع رأسه من سجوده، ونظر إلى عتبة وقال صلى الله عليه وسلم سمعت يا أبا الوليد؟ فقال نعم، فقال صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك، فقام عتبة يمشي إلى أصحابه وهم ينتظرونه متشوقين، فلما أقبل عليهم، قال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم، قالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال ورائي أني والله سمعت قولا ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا السحر، ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.

 

ولو تأملنا حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين مع القرآن الكريم لوجدنا أنهم لم يكتفوا بالقراءة أو الاستماع فقط، بل قرأوا وتدبروا، فتعلقت به قلوبهم، وارتبطت به نفوسهم، فكانوا يطبقونه قولا وعملا، يأتمرون بأوامره، ويبتعدون عن نواهيه، لذلك بلغوا ما بلغوه من الفضائل والرفعة بفضل العمل بالقرآن الكريم، واستجابة لأوامره، لقد حفظ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سورة البقرة في ثماني سنوات ليس لبطء في حفظه ولكن لأنه كان يحرص على العلم والعمل معا، ويقول أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه ” كنا إذا تعلمنا العشر من القرآن لم نتعلم العشر التى بعدها حتى نتعلم حلالها وحرامها وأمرها ونهيها ” وكانت الآية تنزل فيقرأها النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فتتحول في التو واللحظة إلى واقع، وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، يفقهون آيات القرآن الكريم ويتعايشون معها وجدناهم يسارعون إلى طاعة أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، فقد كان الصحابة فى المدينة يشربون الخمر ولم تحرم بعد، فلما دخل صحابي عليهم، وكؤوس الخمر بينهم نزلت آيات النهي عن شرب الخمر ونادي منادى ” ألا إن الخمر قد حُرّمت” وقرأ عليهم قول الله تعالى من سورة المائدة ” يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ” فلما قرأ الآية عليهم تجاوبوا جميعا مع القرآن والله ما أكمل صحابي جرعة الخمر في يده ما قال نكمل هذه الجرار، وهذه الكؤوس وننتهي.

 

لا بل كان من في يده شيء من الخمر رماه، والذي كان في فمه شربة مجّها، والذي كان عنده خمر في أوان أراقها، وكل ذلك هو استجابة لأوامر القرآن الكريم، وقام أنس بن مالك فسكب آنية وجرار الخمر وسكب الصحابة الخمر في الشوارع حتى سالت في طرقات المدينة وامتلأت بها سكك المدينة وقالوا انتهينا يا ربنا، وقالوا على لسان رجل واحد كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ” وكذلك حين نزل قول الله تعالى من سورة آل عمران ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم ” فقام الصحابى الجليل أبو الدحداح إلى أجمل حديقة عنده وأحبها إليه وتصدق بها، ومن هنا استطاع الصحابة الكرام رضي الله عنهم حفظ كتاب الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى