مقال

نفحات إيمانية ومع مفرق الجماعات الموت ” جزء 1″ 

نفحات إيمانية ومع مفرق الجماعات الموت ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن الموت هو تلك الحقيقة التي يوقن بها كل عبد، ويعرف أنه منته إليها لا محالة، طال عمره أم قصر، فلا بد من ساعة الرحيل، وسكنى ذلك القبر الموحش فقال تعالى “كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” فكم من صاحب قريب كنا نأنس بقربه ونستعذب حديثه، هو الآن في ظلمة القبور لقد تخطانا الموت إليه، ولا بد من ساعة يتخطى غيرنا إلينا، فعلى أي حال سنكون؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم ؟ فلقد خوّفنا الموت بمن أخذ منا ووعظنا بأخذهم أعظم موعظة، وحذرنا أشد تحذير فهل اتعظنا ؟ فما لنا فى كل يوم نشيع غاديا إلى ربه ونرجع وكأن شيئا لم يكن؟

 

نرجع للغفلة والنسيان وركوب بحر التمني، فإن الموت وعد صادق، وحاكم عادل، وكفى به مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهادما للذات، وقاطعا للأمنيات، فهل تفكرت في يوم مصرعك وانتقالك من سعة إلى ضيق وقد فارقت الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك وغطائك ولين لحافك،وغطوك بالتراب؟ فيا من جمعت الأموال وأسرفت على نفسك بالمعاصي والآثام هل أنقذك مالك من الأهوال؟ كلا بل تركته خلف ظهرك وقدمت بأوزارك على الملك الديان، فسبحان من تعزز بالقدرة وقهر الجبابرة بالموت فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

 

“أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له أبشر ولي الله برضاه والجنة قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك، واستجاب لمن استغفر لك وقبل ممن شهد لك، وما من ميت يوضع على سريرة فيخطى به ثلاث خطى إلا نادي بصوت يسمعه من يشاء الله، يا أخوتاه، ويا حملة نعشاه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، أترك ما تركت لذريتي، ولا يحملون عني خطيئتي، وأنتم تشيعوني ثم تتركوني، والجبار يخاصمني” فأنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا و جبت له النار، وإنما تثنون على المرء حقا بعد موته وانقطاع أملكم منه فلا ترجونه ولا تخافونه فتجاملونه.

 

والثناء بحسب البينة لا بالأمنية فمن أثنيتم عليه بكثرة ذكر الله وطاعته، وحسن معاملته لعباده وإحسانه إلى مستحقه، وكف الأذى عن ليس أهلا له فتلكم الشهادة بالجنة، ومن ذكرتموه بالغفلة عن الذكر وهجران المساجد، والعقوق وقطيعة الرحم والإساءة إلى الجيران وظلم الخلق والجشع وبذاءة اللسان فتلك شهادة له بالنار وثبت في مسند الإمام أحمد وغيره قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون” فالمؤمن المشهود له بالخير، يستريح بالموت من عناء الدنيا وتعبها إلى الجنة وما أعد الله تبارك وتعالى له فيها من كريم المثوبة والرضوان،

 

فإنما يستريح من غفر له وتقبل عمله، وأما الفاجر فإنه إذا مات يفضي إلى السخط والعذاب، ويستريح منه العباد والشجر والدواب فاعتبروا يا أولي الألباب، واستعدوا ليوم الحساب ولا تغفلوا فإنه ليس بمغفول عنكم ولا بد لكم من الإياب فقال تعالى ” إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم ” فالحمد لله الذي أوجد الكون من عدم ودبره، وخلق الإنسان من نطفة فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن ذكرهم للموت كما كان يوصيهم بأي منقبة أخرى، ومن كان قليل الذكر للموت كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسقطه من عينه كما في بعض الروايات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى