مقال

القدوة الحسنة ” جزء 3″

القدوة الحسنة ” جزء 3″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع القدوة الحسنة، ولذلك دعانا الله إلى سؤاله وحثنا على التضرع إليه أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، كما ندعو في الفاتحة، وهو كما قال علي ابن أبي طالب الصراط المستقيم القرآن، وقال ابن عباس رضى الله عنهما الصراط المستقيم هو الإسلام، وقال ابن الحنفية، الصراط المستقيم هو دين الله الذي لا يقبل غيره أبدا، فحاجة العبد إلى سؤاله الهداية وطلبها من مولاه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب والهواء، لذا لم يقل الله تعالى في الفاتحة اهدنا النصر المبين، ولا اهدنا الرزق الكثير ولكن قال ربنا ” اهدنا الصراط المستقيم” لأن هذه الهداية فيها فلاح وصلاح الدنيا والآخرة فاللذة والسعادة كلها فى هداية الله لنا للإسلام والعمل بطاعته وفى طاعته فمن كان من أهل الهدى كان سعيدا قبل الموت وبعده، ولهذا كان سؤال الهداية أعظم الأدعية.

 

وهذا رجل من أعظم شهداء المسلمين، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وهو فضالة بن عمير، وكان فضالة بن عمير من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل من شدة عدائه للرسول صلى الله عليه وسلم، قرر أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، في وقت الفتح، والرسول صلى الله عليه وسلم، في وسط هذا الجيش الكبير وهوعشرة آلاف من الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا قتل فضالة بن عمير الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنه مقتول، ومع ذلك ضحَّى بنفسه ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فمر بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالبيت، فلما دنا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل السيف تحت ملابسه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فضالة” قال نعم، فضالة يا رسول الله.

 

وكان يدَّعى الإسلام في ذلك الوقت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ماذا كنت تحدث به نفسك” قال لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال ” استغفر الله ” ثم وضع يده على صدر فضالة فسكن قلبه، فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه صلى الله عليه وسلم، وأسلم فضالة، بل حسن إسلامه من أول لحظة من لحظات إسلامه، ولا نقول من أول يوم، ولكن من أول لحظة، حتى إنه عاد من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أهله، فمر بامرأة كان يتحدث إليها في الجاهلية، فقالت له المرأة هلمَّ إلى الحديث، فقال لا، يأبى عليك الله والإسلام، وهكذا فقد سهّل لنا الإسلام الطريق لسلوك هذا المنهج الواضح دون أن يضيِّق على أبنائه، وجعل هذا المنهج صالحا لكل زمان ومكان.

 

والدليل على ذلك كون الإسلام خاتم الأديان، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فقال الله تعالى ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا” وكما جاء هذا المنهج واضحا بسيطا بعيدا عن اللبس والغموض والتعقيد، خاليا من الريب والشكوك، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” الحلال بيِّن، والحرام بيِّن ” رواه البخاري ومسلم وما علينا سوى إعمال عقولنا لسلوك الطريق الصحيح ، وقد رسم لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم طريقا واضحا سليما صحيحا في الحياة، فخلدت سنته في نفوسنا ووجداننا لتكون منارا نهتدي به إلى يوم يبعثون، وكان هذا الطريق منهجا متكاملا لا نقص فيه ولا خلل لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا نوّه إليها، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا الحسنة في جميع مجالات الحياة.

 

ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يحمل معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته، ورصدها والعمل بها، وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان المثل الأعلى لهم، وقد تمثلت في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل والقدوة الحسنة هي المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل، وهذا المثال الواقعي قد يكون مثالا حسيا مشاهدا ملموسا يقتدي به، وقد يكون مثالا حاضرا في الذهن بأخباره، وسيره، وصورة مرتسمة في النفس بما أثر عنه من سير، وقصص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى