مقال

الخنساء تماضر بنت عمرو ” جزء 1″

الخنساء تماضر بنت عمرو ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

السيدة تماضر بنت عمرو بن الحرب بن الشريد السُلمية، وهي صحابية شاعرة، أجمع أهل الشعر والعلم على أنها لم تكن امرأة قبلها، ولا بعدها أشعر منها، فهي أم عمرو، تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، من بني رياح، ثم من بني سليم، وقد لقبت بالخنساء، والخنس هو قصر الأنف، وتأخره مع ارتفاع قليل في أرنبته، يكون في بقر الوحش والظباء فيزينها، وقد غلب عليها هذا اللقب، وأخمل اسمها، فلا تعرف إلا به، وقد ولدت قبل الأسلام وعاشت بعده، وكانت ذات حسب وجاه وشرف، واتصفت بجمالها الأخاذ وتقاسيمها المتناسقة، ولهذا فقد شبهوها بالبقرة الوحشية، والعربي اذا تغزل بالأنثى وأراد التعبير عن جمالها، شبهها بذلك، ولكن إسم تماضر هل سمعتم به من قبل؟ وقد يقول الكثير منكم لا، نحن لا نعرف هذا الإسم، وأنا أقول لا بلى، كلكم تعرفونها إنها الخنساء، ومن لا يعرف الخنساء.

 

فلا أظن بلدا من البلدان الإسلامية لم يسمي شارعا أو مدرسة أو ساحة باسم الخنساء ولا أظن أحدا منا لم يردد عبارتها الشهيرة التي قالتها حين استشهد أولادها الأربعة “الحمد الله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته” وكانت الخنساء تمتلك قدرة فائقة على قول الشعر وتكتنز ثراء عريضا من مفردات اللغة ومعانيها، فسُئل جرير مرة من أشعر الناس؟ فقال أنا لولا الخنساء، ويقول قائل أليس الشعر أمرا مكروها مذموما في الإسلام؟ ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الشعراء ” والشعراء يتبعهم الغاوون” وألم يقل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا” وأنا أقول لهذا السائل حتى ندرك معنى الآية الكريمة والحديث الشريف ونجد الجواب الشافي، لا بد أن نبحث في سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع هذه الصحابية الشاعرة.

 

وكيف كان يتعامل معها، هل نهاها عن قول الشعر؟ هل أعرض عن سماع شعرها؟ أم ماذا فعل؟ وقد تدهشون عندما تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنشد الخنساء الشعر، أي يطلب إليها أن تقول الشعر أمامه، وأحب أن أؤكد هنا عن معنى هام قد يسيء البعض فهمه، فإنشاد الشعر عند العرب يعني إلقاء الشعر لا يعني غناء الشعر كما هو مفهوم كلمة إنشاد اليوم في عرف الناس، كما يحاول بعض المتسللين والمتصيدين أن يزعموا، كان شعر الخنساء إذن يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول صلى الله عليه وسلم لها ممتدحا مستحسنا “هيه يا خناس” وكان في بعض الأحيان يومئ بيده تعبيرا عن إعجابه بشعرها، وقيل أن أعرابيا جاء إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام فصيح مبين، فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم قال ” إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما ” رواه ابن حبان.

 

وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن من الشعر حكمة ” رواه البخارى، وكان أيضا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ينشدون الشعر أمامه فيستمع إليهم مبتسما، من هذا ما يرويه جابر ابن سمرة رضي الله عنه فيقول “جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر أمامه ويتذاكرون أشياء من الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم معهم” وقد رفضت الخنساء الزواج من دريد بن الصمة، سيد بني جشم، بعد أن طلبها من صديقه وأخيها معاوية، وقد عرف فيها أباها رجاحة العقل واتزان الفكر، ولهذا فلم يعارض على رفضها، ولم يكن ذلك حقا لكل ابنة، وإنما هو خصيصة تمنح لمثيلات الخنساء، وتزوجت من رواحة بن عبدالعزى الذي كان مقامرا، وقد ضحت في سبيل الحفاظ عليه بالكثير من طبيعتها وكبريائها، كي تجعله يتعلق بها، غير أنه غالى في انحرافه واستغل حرصها عليه أسوأ استغلال.

 

وانتهز مالها ومال أخيها، حيث كانت تذهب لأخيها صخرا تشكو أليه حالها وماتلقى من ضيق العيش، فيشطر صخر ماله نصفين يعطيها خيرهما، حتى انفصلت في النهاية عن عبدالعزى ولها منه ابن اسمه عبدالله، ولم يطل المطال بالخنساء حتى تقدم اليها مرداس بن أبي عامر السلمي، الملقب بالفيض لسخائه، وكان مرداس بالإضافة لكرمه، رجلا جد وعمل لايترك فرصة ألا ويقتنصها ليوفر لأسرته أسباب الحياة الكريمة، حتى مات في أحدى مغامراته تاركا للخنساء أربع أبناء هم العباس وزيد ومعاوية وبنت اسمها عمرة، وقد رثت الخنساء زوجها مرداس لتفصح عن مدى الأسى والحزن لفراقه، حيث كان مرداس في رأيها أفضل الناس حلما ومروءة وشجاعة، وعندما قتل هاشم ودريد ابنا حرملة أخاها معاوية فقامت بتحريض أخيها الأصغر صخر بالثأر، واستطاع أخوها قتل دريد انتقاما لأخيه ولكنه أصيب بطعنة أسكنته فراشه.

 

ومرض بسببها وباتت حياته مملة، حتى أن زوجته حينما سؤلت عنه أجابت بأنه لا حي فيرجى ولا ميت فينعى، ومكث صخر في مرضه حتى مات بعد ثلاث سنوات من مرضه هذا فانهارت الخنساء اثر موته واقامت على قبره زمانا تبكيه وتندبه وترثيه وقد قيل بأن الخنساء رثت صخرا أكثر من معاوية، ولكن في حقيقة الأمر بأن رثاءها لمعاوية لم يكن قليلا، غير أنه اذا ما قورن برثائها لصخر بدا قليلا، وذلك بسبب حبها وتعلقها الشديد بصخر، ويُروى أنها دخلت على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تلبس صدارا من شعر الحيوان يغطي عنقها إلى سرتها، كان الجاهليون يلبسون هذا الصدار حدادا على الأموات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى