مقال

نائلة بنت الفرافصة الكلبية “جزء 2”

نائلة بنت الفرافصة الكلبية “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع نائلة بنت الفرافصة الكلبية، وهكذا هي السيدة نائلة بنت الفرافصة، فهي إحدى زوجات أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي آخرهن ارتباطا به، وكان لها دور كبير في اواخر حياته، وقد عرفت السيدة نائلة برجاحة العقل والفصاحة والشعر والأدب، وحينما تزوجت سيدنا عثمان بن عفان، كانت على غير دين الإسلام ولكنها أسلمت على يديه بعد ذلك، وقد رافقت السيده نائلة، السدة عائشة رضى الله عنها لتعلم الإسلام، وبالفعل تعلمت الكثير من القرآن والسنة والفقة، وأصبحت تنقل الأحاديث عن السيدة عائشة وسيدنا عثمان بن عفان، رضى الله عنهم جميعا، وقد تميزت السيدة نائله بذكاء في التعامل مع الظروف الصعبة التي حلت في عصر سيدنا عثمان بن عفان، حيث شهد عصره ما يسمى الفتنة الكبرى.

 

وظلت السيدة نائلة بالقرب من زوجها سيدنا عثمان، ونصحته بالتقرب إلى علي بن أبي طالب، وحينما تم اقتحام منزل الخليفة عثمان بن عثمان ظلت واقفة بجواره تدافع عنه، إلى أن أصيبت في يديها، وفي النهاية قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وقد نشأت السيده نائله، في قبيلة تسمى قبيلة كلب، التي سكنت صحراء السماوة بين الشام وجزيرة العرب، وكان دينها النصرانية، وقد اعتنقت الاسلام هي وأخوها وكان يسمى ضب، وكان ذلك بعد الفتوحات الاسلامية لبلاد الشام أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتزوجها عثمان وهو في الخامسة والستين من عمره، وكانت تناهز السادسة عشرة، وكان اللقاء الاول بينهما كله ود وحب امتد حتى آخر يوم من هذه العلاقة، وعاشت نائلة في قمة السعادة مع زوجها، تكن له الحب والوفاء والطاعة.

 

حتى كانت عنده من أحب نسائه اليه، وما لبثت أن أنجبت له ثلاث بنات هن أم خالد وأروى وام أبان، وعاينت نائلة مشهد مقتل عثمان عندما تسور القتلة جدار داره ودخلوا عليه وهو جالس يقرأ في المصحف وأمامه زوجته المحبة نائلة، وينكب القتلة على الخليفة، وتسرع نائلة تدفعهم عنه وترمي نفسها عليه تفديه بروحها، فيصيبها أحدهم بسيفه ويقطع أصابعها، واستشهد عثمان يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة عام خمسه وثلاثين للهجرة، وفي ليلة السبت اجتمع عند نائلة رجال ليقوموا بدفن الخليفة وقد رافقتهم حتى مكان القبر، ودخلت القبر ومعها زوجة اخرى لعثمان هي أم البنين بنت عيدنة بن حصن، وعادت بعد أن تركت حبيبها وكان ذلك في جوف الليل، وفي الصباح خرجت نائلة الى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأرادت أن تلقي للناس خطبة.

 

حاولت خلالها أن تحث الناس على القصاص من قتلة عثمان، إلا أنها لم تجد رد فعل، فانصرفت باكية وتفرق الناس مع انصرافها، فقررت أن تشرك معاوية بن أبي سفيان أمير الشام في ذلك الوقت في الأمر، فكتبت اليه كتابا فيه تفاصيل الحادث المروع، وبعثت به مع النعمان بن بشير، ومع الكتاب قميص عثمان الذي قتل فيه ممزقا وملطخا بالدم كذلك وضعت في زر القميص خصلة من شعر ذقنه التي نتفوها عند قتله، كذلك أصبعين من أصابعها المقطوعة مع شيء من الكف ونصف الإبهام، وطلبت من معاوية أن يكون حكما بينها وبين قتلة عثمان، وبعد أن وصل الكتاب الشام وتسلمه معاوية، وقيل بعثته مع النعمان بن بشير أو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، فلما وصل الكتاب قرأ معاوية ما فيه، وطيّف بالقميص في أجناد الشام.

 

وكان مما جاء في الكتاب، أنه من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر ونصركم على العدو وأسبغ النعمة، وأنشدكم بالله، وأذكركم حقه وحقّ خليفته الذي لم تنصروه، وبعزمة الله عليكم، فإنه عز وجل يقول ” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين” وإن أمير المؤمنين بُغي عليه، ولو لم يكن له عليكم إلا حق الولاية، ثم أتي بما أتي، لحق على كل مسلم يرجو أيام الله أن ينصره، لقدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب داعي الله، وصدق كتابه، وإني أقص عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى أفضي إليه.

 

وقد أرسلت إليكم بثوبه وعليه الدم، وإنه والله لئن كان أثم من قتله، لما يسلم من خذله، فانظروا أين أنتم من الله عز وجل، فإنا نشكي ما مسنا إليه، ونستنصر وليه وصالح عباده، ورحمة الله على عثمان، ولعن الله من قتله، وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة، وشفى منهم الصدور، وقد استجاب معاويه بن أبي سفيان لطلبها وعاد الى المدينة للقصاص من قتلة الخليفة، وكان هذا بداية أحداث الفتنة الكبرى والقتال بين الإمام علي ومعاوية وهو ما لم تكن تتوقعه نائلة ولهذا اعتزلت الناس، وعاشت نائلة بعيدا عن الأعين، لكن بطولتها لم تغيب عن رجال قدروها، فكانت تخطب فتأبى وتقول والله لا يقعد مني رجل مقعد عثمان أبدا، ولعل أبرز من خطبها معاوية بن أبي سفيان ولكنها رفضت مع انه كان أميرا للمؤمنين.

 

وقيل أنه لما خطبها معاوية فدعت بمرآة وأخذت فهرا فدقت ثنيتيها وأرسلتهما له، وقالت ذات عروس ترى، ولم تجبه أيضا، واختارت أن تعيش محجوبة عن الأعين وانشغلت بتربية بناتها حتى تزوجن جميعا، فتزوجت أم خالد من عبدالله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص، وتزوجت أروى من خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وتزوجت أم أبان من مروان بن الحكم، ثم ماتت نائلة دون أن يدري أحد متى ماتت، وقد روت السيده نائلة عن السيدة عائشة رضي الله عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى