مقال

شيخ الإسلام إبن سيرين ” جزء 2″

شيخ الإسلام إبن سيرين ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني عن شيخ الإسلام إبن سيرين، فأجزل ابن هبيرة له العطاء فلم يقبل، فعاتبه ابن أخيه قائلا ما يمنعك أن تقبل هبة الأمير؟ فقال إنما أعطاني لخير ظنه بي، فإن كنت من أهل الخير كما ظن، فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن، فأحرى بي ألا استبيح قبول ذلك، ويقال أنه كانت له تجارة وله بيع وشراء في السوق فإذا رجع إلى بيته بالليل أخذ في القيام يتلو القرآن ويبكي، وكان في تجارته ورعا لدرجة أنه ذات مرة اشترى زيتا بأربعين ألفا مؤجلة، فلما فتح أحد زقاق الزيت وجد فيه فأرا ميتا متفسخا فقال في نفسه إن الزيت كله كان في المعصرة في مكان واحد وإن النجاسة ليست خاصة بهذا الزيت دون سواه، وإن رددته للبائع بالعيب فربما باعه للناس، فأراق الزيت كله، وروي عن ابن سيرين أنه قال إني لأعرف الذنب.

 

الذي حمل عليّ به الدّين ما هو، قلت لرجل من أربعين سنة يا مُفلس، وقيل أنه لم يكن يعرض لمحمد أمران في ذمته إلا أخذ بأوثقهما ، وقال هشام “ما رأيت أحدا عند السلطان أصلب من ابن سيرين، وعن عفة ابن سيرين، قيل أنه كان لا يطعم عند كل أحد، وكان إذا دُعي أجاب ولم يطعم، وكان إذا دُعي إلى وليمة يدخل في منزله فيقول اسقوني شربة سويق، فقيل له في ذلك، فقال أكره أن أحمل حدة جوعي على طعام الناس، وكان قد سمع ابن سيرين رجلا يسبّ الحجاج بن يوسف فأقبل عليه، فقال ” مه أيها الرجل، فإنك لو قد وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله تعالى حكم عدل، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه فسوف يأخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسب أحد.

 

ولقد كان لابن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار، وكان يصوم يوما ويفطر يوما وعن بشر بن عمر، قال حدثتني أم عباد امرأة هشام بن حسان، قالت كنا نزولا مع محمد بن سيرين في داره، فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار، وكان رحمه الله إذا مر في السوق فجعل لا يمر بقوم إلا يذكرهم أن يسبحوا ويذكروا الله عز وجل، وروي أنه رحمه الله ما كان يدخل السوق نصف النهار إلا ويكبر ويسبح ويذكر الله تعالى، فقال له رجل يا أبا بكر في هذه الساعة؟ قال إنها ساعة غفلة، وقد كان ابن سيرين رحمه الله يتمثل الشعر، ويذكر الشيء ويضحك، حتى إذا جاء الحديث من السنة كَلح أي أفرط في عبوسه، وانضم بعضه إلى بعض، وكان يعرف عنه أنه صاحب ضحك ومزاح، فكان يضحك حتى يستلقي.

 

وجاء عن ابن سيرين في التعبير عجائب كثيرة جدا، وكان له في ذلك تأييد إلهي، ومما ذكره عنه الإمام الذهبي قال عن عبد الله بن مسلم المزوي قال كنت أجالس ابن سيرين فتركته وجالست بعض أهل البدع، فرأيت كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت ابن سيرين فذكرته له، فقال مالك جالست أقواما يريدون أن يدفنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وفى تفسير الرؤى والأحلام وغرائب أخباره ومن أغرب ما نقل عنه في ذلك أنه قال من رأى ربه في المنام دخل الجنة، وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أحرث أرضا لا تنبت، قال أنت تعزل عن امرأتك، وقال له آخر رأيت كأني أطير بين السماء والأرض، قال أنت رجل تكثر المني، وأتاه رجل فقال رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر، قال اتقي الله وعاود القرآن.

 

فإنك قرأته ثم نسيته، ورأى رجل في المنام كأن في حجره صبيا يصيح، فقصها عليه، فقال اتقي الله ولا تضرب بالعود، وأتاه رجل فقال رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها شعبان، فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا، فقال اتقي الله، لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها، وقال رجل رأيت كأني أبول دما، قال تأتي امرأتك وهي حائض؟ قال نعم، قال اتقي الله ولا تعد، وقيل أنه رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته وقال مات الحسن وأموت بعده، وهو أشرف مني، وقص رجل على ابن سيرين فقال رأيت كأن بيدي قدحا من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء، فقال له اتقي الله فإنك لم تري شيئا، فقال سبحان الله، قال ابن سيرين فمن كذب فما علي، ستلد امرأتك وتموت، ويبقى ولدها، فلما خرج الرجل قال والله ما رأيت شيئا.

 

فما لبث أن وُلد له وماتت امرأته، وكانت وصية محمد بن سيرين لأهله وبنيه أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به، وأوصاهم ألا يدعوا أن يكونوا إخوان الأنصار ومواليهم في الدين، فإن العفاف والصدق خير وأبقى وأكرم من الزنى والكذب، ولقد توفي محمد بن سيرين بعد أن عاش عمرا حتى بلغ السابعة والسبعين عاما، ودفن في البصرة ويقع ضريحه حاليا في مبنى مرقد الحسن البصري .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى