مقال

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 2″

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي، وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم، وقال قتادة إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله، فى قوله تعالى” لا تظلموا فيهن أنفسكم” بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام.

 

وفي البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله تعالى كما جاء فى سورة الأحزاب ” يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا” وذلك لأن الفاحشة إذا وقعت من إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف لها العذاب ضعفين بخلاف ما إذا وقعت من غيرهن من النساء، وإن شهر رجب هو مفتاح أشهر الخير والبركة، قال أبو بكر الوراق البلخي، أن شهر رجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وعنه قال مثل شهر رجب مثل الريح ومثل شعبان مثل الغيم ومثل رمضان مثل القطر.

 

 

وقال بعضهم السنة مثل الشجرة، وشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها، ويجب أن تكون وقافا عند حدود الله وفرائضه وحرماته في هذه الأشهر، فقال رسول صلى الله عليه وسلم” إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها” رواه الحاكم، وكما يجب أيضا الإكثار من الصيام في شهر رجب والأشهر الحرم جميعها، فعن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال يارسول الله أما تعرفني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أنت ؟” قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟” قال ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لم عذبت نفسك ؟” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صم شهر الصبر ويوما من كل شهر” قال زدني فإن بي قوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صم يومين” قال زدني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صم ثلاثة أيام” قال زدني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك” وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها” رواه أبي داود، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” رواه مسلم.

 

وأيضا فإنه يجب المسارعة إلى كثرة الحسنات والبعد عن السيئات، وذلك لتضاعف الحسنات والسيئات بسبب شرف الزمان والمكان، فكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة لكن تعظم أي تكبر بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل كما ذكر في حق نساء النبى صلى الله عليه وسلم، فالسيئة أعظم تحريما عند الله في الأشهر الحرم، والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان، وقال ابن القيم رحمه الله، تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها السيئة، لكن سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها، وصغيرة وجزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله تعالى وقربه منه سبحانه وتعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى