مقال

نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 11″

نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع نبي الله أيوب عليه السلام، فقد امتنع الناس أن يتعاملوا مع زوجة أيوب خوفا من أن يصابوا من بلاء زوجها أو تعديهم زوجته نتيجة مخالطته، فلم يعد يطلبون خدمات زوجته، ولم تعد تستطيع جلب المال للإنفاق على زوجها، فاضطرت لقص إحدى ضفيرتيها وبيعها لبعض بنات الأشراف مقابل طعام طيب كثير، فلما أتت به أيوب سألها من أين لك هذا؟ فقالت خدمت به أناسا، وفي اليوم التالي عجزت المرأة أن تعمل لجلب المال، فاضطرت للمرة الثانية أن تبيع الضفيرة الثانية وأصبح حالها مبتذلا، ولما أتت بالطعام لأيوب حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى تخبره من أين جاءت به، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، تألم واشتد كربه، فلجأ إلى الله وقال رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، واستجاب الله لدعاء نبيه.

 

وأذن بكشف الضر عن عبده أيوب عليه السلام، فخرج أيوب لقضاء حاجته وزوجته تمسك بيده وتسنده، وراحت تنتظره حتى ينتهي لتأخذ بيده حتى يرجع، لكنها ظلت تنتظره كثيرا، فقد تأخر على غير عادته، فقد أوحى الله إلى أيوب أن اضرب برجلك الأرض يخرج منها ماء بارد، اغتسل منه واشرب تشفى مما أصابك من كافة الأمراض، ففعل أيوب فاسترد صحته وعافيته بأحسن حال، فلما عاد لزوجته لم تعرفه وظنته غريبا، وسألته عن أيوب وقالت أي بارك الله فيك، هل رأيت هذا المبتلى الذي كان هاهنا؟ أخشى أن تكون الكلاب أو الذئاب قد ذهبت به، فقال لها ويحك أنا أيوب، فقالت له أتسخر مني؟ قال أنا أيوب، قد رد الله على جسدي، وكانت مفاجأة مدهشة لزوجته التي غمرتها السعادة والشكر لله على فضله وجزائه لعباده الصابرين.

 

وأصلح الله عز وجل لأيوب حال زوجته، ورد لها جمالها وشبابها، فحملت وولدت، ورزقهما الله مثل أولادهم الذين فقدوهم فيما مضى، وأعطاه الله مثلهم معهم، كما رزق الله أيوب رزقا وفيرا من المال والمزارع والأراضي كما التي فقدها من قبل ومثلها معها، وأوحى الله لأيوب أن يستغفر لمن هجروه، فعادوا لصحبته كما كانوا، وأوحى الله لأيوب أن يجمع حزمة من الأعواد الصغيرة ويضرب بها زوجته ضربة واحدة خفيفة حتى يبر بقسمه السابق ولا يحنث، وكانت رخصة من الله تعالى، حتى لا يؤلم زوجته الصابرة المحتسبة الصديقة البارة بزوجها، أما ما صارت عليه حاله بعد استجابة الله له فقد أذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالا تاما.

 

ومالا كثيرا، حيث صب له من المال صبا، وأخلف الله له أهله، كما قال الله عز وجل ” وآتيناه أهله ومثله معه ” فقيل أحياهم الله بأعيانهم، وقيل آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة، وإن من أهم العبر فى قصة نبى الله أيوب عليه السلام هو نجاح أيوب عليه السلام، في الاختبار، لأن الله عز وجل قال في آخرالآيات ” إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ” فابتلاه الله عز وجل بأن سلب منه جميع ماله، وأهله، وأصبح مريضا ضعيفا، فكيف يكون حال الإنسان إذا عاد فقيرا بعد غنى، وضعيفا بعد قوة، ووحيدا بعد أهل وذرية؟ وإن من العبر أيضا فى قصة نبى الله أيوب عليه السلام، أنه هو تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبى الله أيوب عليه السلام، حيث ابتلاه الله تعالى بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب، حتى فرّج الله عنه.

 

وهذا الفرج لمن صدق مع الله سرا وجهرا، واتقاه عز وجل، وإن الحكمة من ابتلاء الله عز وجل لعباده المؤمنين؟ هو تكفير السيئات، فقد قَال النبى صلى الله عليه وسلم ” ما يصيب المسلم من نصب “أى تعب” ولا وصب ” أى مرض ” ولا هم ” وهو كره ما يتوقعه من سوء” ولا حزن ” وهو الأسى على ما حصل من مكروه” ولا أذى ” وهو من تعدي غيره عليه” ولا غم ” وهو ما يضيق القلب والنفس، حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ” رواه البخاري، وإن من فوائد الإبتلاء هو رفع منزلة المبتلى عند الله تعالى، وتنقية نفسه من شوائبها من الرياء وغيره، وتعلق المبتلى بالله عز وجل، ومنها أيضا إظهار الناس على حقيقتهم، فمن الناس من يدّعى الصبر وليس بصابر، فالمرض والفقر، والجوع والآلام، وفقدان الأولاد والأصدقاء، وخسارة الأموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى