مقال

ما السبب عنف المجتمع ام عنف الدراما .؟

اللواء اشرف فوزى الخبير الامنى .

ما السبب عنف المجتمع ام عنف الدراما .؟

 

على خلفية الجرائم المستحدثة على المجتمع المصرى وعما يمكن أن يحدثه الفن من تأثير فى المجتمع تبرز أسئلة عديدة مهمة، فأيهما يصنع الآخر؟ هل الفن يصنع ثقافة المجتمع ويقوده ويؤثر فى تركيبته؟ أم العكس حيث ينقل صناع الفن ما يعايشونه فى مجتمعاتهم ويقدمونه فى صيغة أعمال فنية؟

 

ومع تزايد مشاهد العنف والبلطجة والقسوة فى المجتمع المصرى يبرز السؤال من جديد: هل تنامي تلك الحالة التى اجتاحت شوارعنا ومدارسنا وحتى منازلنا هو نتيجة تأثير ما تقدمه الدراما – خاصة فى العقد الأخير – من مشاهد قسوة ودم ووحشية فى بعض الأحيان؟ أم أن الفن، سواء السينما أو الدراما التليفزيونية، هو تعبير عن وضع اجتماعى صار شديد القسوة ومليئا بالعنف

 

وأكد الخبير الامنى أن السينما المصرية والدراما التليفزيونية خلال تاريخهما لم يميلا للعنف بشكل عام وما قدمه الفن المصرى -خاصة السينما – عبر مائة عام من أعمال تتضمن عنفا لايمثل سوى إستثناءات من جملة الأفلام التى أنتجتها السينما فى حين لم تشهد الدراما التليفزيونية المصرية أعمالا تتسم بالعنف إلا فى السنوات القليلة الماضية وهذا ما جعل بعض علماء الاجتماع والنقاد الفنيين يُحَمّلون الدراما مسئولية كبيرة تجاه تنامى تلك الظاهرة….أن الأعمال السينمائية التى تفرط فى تقديم مشاهد عنف أو قسوة أو تجميل للشر أو انتصار لقيم البلطجة، والخروج على القانون، لها تأثير خطير على الشباب فى سن المراهقة، تقديم شخصية البطل المحبوب لديهم ،وهو يتبنى سلوكيات العنف والفهلوة وتحدى القانون، وفى الوقت نفسه يحقق ثروة هائلة وينجح فى الإفلات من العقاب دون تقديم مبررات درامية حقيقية لهذا البطل تفسر تركيبته النفسية، بل تقديمه فى أحيان كثيرة كنموذج خَير ومحب للناس، ويتمتع بإحترام وهيبة من حوله يجعله فى النهاية أكثر قبولا وجاذبية للشباب المراهق.

وقد عرفت السينما المصرية خلال تاريخها نمط الخارج على القانون فى أفلام من عينة «جعلونى مجرما» و«اللص والكلاب» و «كلمة شرف»، وبعضها قدمت البطل الذى

اضطرته ظروفه الاجتماعية وقسوة المجتمع إلى أن يسلك سلوكا عنيفا، لكن صناع هذه الأعمال كانوا يدركون دوما أن

الانتصار لهذه النماذج يمثل خطيئة كبرى فى حق القيم الانسانية وحق المجتمع الذى يتأثر بهم وبأعمالهم.

ورغم أن نجيب محفوظ كان قد استلهم روايته «اللص والكلاب» من قصة حقيقية شغلت مصر فى بداية الستينيات هى قصة السفاح «محمود امين سليمان» الذى كتبت عنه الصحافة المصرية وأطلقت عليه «السفاح». ورغم أن العمل به عدد من جرائم القتل، إلا أنه لم يخرج وقتها مراهق من المجتمع، ليتقمص شخصية البطل «شكرى سرحان» الذى جسد شخصية السفاح -وكان سرحان هو فتى الشاشة فى تلك المرحلة-، وذلك لأن البطل لم يفلت من العقاب، ولم يتحول إلى «دونجوان» تتنافس الفتيات على حبه.

وأضاف اللواء اشرف فوزى أنّ دور التسلية يفوق دور التوعية في الدراما فالمواطن الذي يقضي يومه في العمل لا بد له من مادة تليفزيونية تخفف عنه في آخر النهار خاصة عندما يجتمع مع عائلته، كما أنه يفضل الأعمال التي تتناول موضوعات اجتماعية لأنها تجدها قريبة جداًَ من الحياة اليومية وتحاكي نماذج إنسانية موجودة في المجتمع وأحداثا تتعلق بالتفاصيل اليومية المعيشة مضيفا أن ذلك يقدم دوراً “توعوياً” للدراما، كما أنه يصوغ من الواقع القصص التي لها وظيفة تفيد المشاهد وتملأ وقته بما هو جيد وأفضل من بقية الرسائل الإعلامية الأخرى، ويفترض أن تقدم الدراما دوراً توعوياً وتوجيه رسائل مفيدة للجمهور تسهم في ملء وقته بما هو إيجابي وممتع، ويرى اللواء اشرف أن الدراما تطلع المواطن على أشياء لا يعرفها إذ إنها تسلط الضوء على ما هو مجهول لدى الكثيرين ما يسهم في التعليم والتثقيف من خلال قصص اجتماعية تحتوي على الحب والكره والجريمة والإحسان لابد أنها تسهم في توعية الناس ونشر القيم الأخلاقية والتحذير مما هو سلبي على مستوى الحياة بصورة عامة. لماذا الاختلاف؟

يشير اللواء أشرف فوزى الى خطورة الرسالة التربوية والإعلامية والأخلاقية التي تحملها هذه الأعمال، ويقول: “إن الخطورة هنا تتمثل في ثقافة الكاتب والمؤلف والسياق العام الذي يتم فيه العمل، والمناخ السياسي السائد، وعوامل الربح والخسارة، ومن المؤكد أن العمل يحمل خطاباً سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً أو ثقافياً معيناً، أو يروج لفكرة ما، أو لاتجاه بعينه، فكيف يمكن لأفراد الأسرة باختلاف أعمارهم وثقافاتهم واتجاهاتهم أن يميزوا بين هذا وتلك؟

اشار الخبير الامنى، سينما البلطجة ودراما العنف ….وقد شهدت الألفية الجديدة تطوراً مذهلا فى تقنيات السينما وأدوات الإخراج مما ساهم فى قدرة صناع الفن على تقديم مشاهد العنف بحرفية أعلى، يكاد يصدقها المشاهد فى المقابل صار المجتمع أكثر قسوة وصاغت الأزمة الاقصادية وتردى الأوضاع الاجتماعية علاقات أشد فردية وأنانية مما انعكس على الفن، الذى أعاد انتاج تلك العلاقات من خلال عوالم العشوائيات وثقافتها والمهمشين وأزماتهم والفقراء وأوجاعهم وتحايلهم على الحياة.

 

تلك الجرائم وغيرها والتى لم يعتد المجتمع المصرى عليها، ليست فقط التى دفعت الى اتهام الفن بالمسؤلية، لكن انتشار نمط الحياة العنيف الذى يقدمه صناع هذا الفن، والذى يتأثر به الشباب كثيرا.

ويبدو أننا أمام حقيقة اجتماعية قبل أن نكون أمام محتوى فنى لا يرضى عنه الكثيرون، تلك الحقيقة أننا صرنا فى حياتنا اليومية أكثر عنفا وأنانية وصرنا نشجع على انتشار تلك القيم حتى ونحن نربى أبناءنا.. الفن متهم.. نعم.. لكنه ليس المتهم الوحيد ولا يجب أن يكون هكذا.. فتلك الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهذا الخواء القيمى والأخلاقى وغياب القدوة الحقيقية، يجعل الأزمة أعمق من مجرد تأثير الفن على واقع كاد أن يصاب بالتصدع الكامل ووصل العطب إلى كثير من مكوناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى