مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الليث بن سعد ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الليث بن سعد ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

وقال الحافظ أبو نعيم كان الليث فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث أن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلي رأيه ومشورته، وقد أراده المنصور أن ينوب عنه على الإقليم فاستعفى من ذلك وقال ابن سعد كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه وقال ابن وهب لولا مالك والليث لضل الناس، وقال أبو داود حدثني محمد بن الحسين، سمعت أحمد يقول الليث ثقة، ولكن في أخذه سهولة، وقال سعيد الآدم قال العلاء بن كثير الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا وقال ابن تغري بردي كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته، وإذا كان أصحابه لم يقوموا بفقهه فاندثر مذهبه، فقد قاموا بحديثه، وحدثوا عنه في الآفاق، فروايته منتشرة في كتب السنة المختلفة، وهو ثبت ثقة بإجماع أهل الحديث.

 

وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول أصح الناس حديثا عن سعيد المقبري الليث بن سعد يفصل ما روي عن أبي هريرة وما روي عن أبيه عن أبي هريرة هو ثبت في حديثه جدا وروى عبد الملك بن شعيب عن أبيه قال، قيل لليث أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب، وكان الإمام الليث بن سعد محدثا ثقة، راوية للأحاديث روى عنه كبار العلماء، ويقول الإمام الترمذي حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا، وعن الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت.

 

“لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة، فيقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته مه لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها إن شئت، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها” وعن الليث عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة” وروي عن شرحبيل بن جميل قال أدركت الناس أيام هشام الخليفة، وكان الليث بن سعد حديث السن، وكان في مصر عبيد الله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، وابن هبيرة، وهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه على حداثة عمرة، ويقول عثمان بن صالح كان أهل مصر ينتقصون عثمان بن عفان أي يطعنون فيه حتى نشأ فيهم الليث.

 

فأخذ يحدّث أهل مصر عن فضل عثمان فكفوا عنه، وإن الليث بن سعد هو ابن حضارتين، الحضارة المصرية والحضارة الإسلامية، فلقد درس الليث فى جامعتين وهما جامعة دينية وجامعة مدنية، وكان جامع عمرو بن العاص هو الجامعة الدينية، حيث درس فيها اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث الشريف وعلوم الفقه، وكانت جامعة الفسطاط هى الجامعة المدنية حيث درس فيها الحضارة الفرعونية، كما درس الحضارات والثقافات العالمية، ولقد كان الليث متحدثا بارعا باللغات المصرية واليونانية واللاتينية إلى جانب اللغة العربية، وكانت الجامعتان المصريتان جامع عمرو والفسطاط عظيمتين، كان يدرس فى جامعة الفسطاط كبار الفلاسفة والمفكرين وعلماء اللغة وأساتذة التاريخ والحضارة، وكان يقوم بالتدريس فى الجامعة الإسلامية جامع عمرو منذ نشأتها أجيال متعاقبة من الصحابة والتابعين وتابعى التابعين.

 

ويذكر الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه أئمة الفقه التسعة أنه كان من بين الأساتذة الكبار فى جامع عمرو بن العاص، أبو ذر الغفاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ونخبة من الصحابة الذين جاءوا إلى مصر، وكان جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد جامع فى قارة إفريقيا، وهو الجامعة الإسلامية المصرية التى سبقت الجامع الأزهر الشريف، وهكذا تشكلت ظاهرة استثنائية أنتجت شيخ الإسلام، وكان شيخ الإسلام الليث بن سعد مصريا وعالميا فى آن واحد فإنه يعيش فى القاهرة وتمتد ممتلكاته فى أكثر من منطقة، كما أنه يحج إلى بيت الله الحرام باستمرار، وكان يلتقى الإمام مالك فى المدينة، وفى منزله التقى الإمام أبو حنيفة النعمان، ولقد زار بغداد وناقش فى بغداد مدرسة أهل الرأى كما ناقش فى المدينة مدرسة الأثر، وكان فى كل مناقشاته ومناظراته حضاريا كبلاده، كان يقدم الأخلاق على المعرفة.

 

وكان يقول تعلموا الحلم قبل العلم، ولقد حفظ التاريخ رسالتين فى الجدل الفقهى بينه وبين الإمام مالك، ولقد اختلف الليث ومالك فى كثير من الأمور، حسبما يرصد عبد الرحمن الشرقاوى فى أئمة الفقه التسعة، فقيل أنه أجاز الإمام مالك ضرب المتهم بالسرقة حتى يعترف، ورفض الليث، ولقد اختلف الإمامان أيضا فى قضايا الزواج والولادة، فكان مالك يعتد بالنسب، فلا يصح زواج القرشى بغير القرشية، أو العربى بغير العربية، وقد رفض الليث رأى مالك، استنادا إلى قوله تعالي ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” كما أفتى الإمام مالك بأن الجنين يمكن أن يستقر فى بطن أمّه ثلاث سنوات، ورفض الليث، ورأى أن ذلك خطأ علمى وشرعي، ويفتح الباب للفساد الأخلاقي، ولقد وافق مالك الليث وعاد عن فتواه، ولقد اختلف الليث مع أبى حنيفة فى مسألة الأوقاف، حيث كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف لأن فى حبس المال قيدا وضررا.

 

وقد أجاز الليث الوقف، وحين قام أحد الولاة بهدم الكنائس، قال الليث إن هدم الكنائس فى مصر بدعة تخالف دين الإسلام وقد استجاب الخليفة لطلبه بإعادة بناء الكنائس وإضافة كنائس جديدة، وتوفي الليث بن سعد في مصر في يوم الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان سنة مائة وخمس وسبعين من الهجرة، وكانت جنازته عظيمة، وحزن عليه أهل مصر حتى كانوا يعزّون بعضهم بعضا ويبكون، وصلى عليه موسى بن عيسى الهاشمي والي هارون الرشيد على مصر، ودفن الليث بن سعد في مقابر الصدفيين في القرافة الصغرى، وقبره مشهور، وكان قبره في البداية على هيئة مصطبة حتى بنى أبو زيد المصري أحد كبار تجار مصر عليه قبة بعد سنة ستمائة وأربعين من الهجرة، وصار مسجدا، ثم تعاهد بعده عدد من الأعيان تجديد القبة.

 

ثم أضاف لها الأمير يشبك بن مهدي سنة ثماني مائة وأربع وثمانين من الهجرة، مئذنة في عهد السلطان الملك الأشرف قايتباي، ثم جدد السلطان قنصوه الغوري المسجد في شهر رجب عام تسعمائة وإحدي عشر من الهجرة، ومن بعده جدده الأمير موسى جوريجى ميرزا مستحفظان في شهر ذي القعدة سنة ألف ومائة وثماني وثلاثين من الهجرة، وهي هيئته الحالية، فرحمه الله رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى