مقال

عماد المجتمع ونواتة الصلبة ” جزء 5″

عماد المجتمع ونواتة الصلبة ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع عماد المجتمع ونواتة الصلبة، فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين، إما أن يكون كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث النجوى”أما المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول أتذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك قال أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق” وكذلك أيضا فإن الإنسان أعلم بنفسه وإن الإنسان أعلم بمداخل النفس، وأعلم بجوانب الضعف والقصور فها، ومن هنا فهو الأقدر على التعامل مع نفسه، إنه يتصنع أمام الناس ويتظاهر أمامهم بالخير، أو يدعوه لذلك الحياء والمجاملة، أما مافي نفسه فهو أعلم به من سائر البشر، حينئذ فهو أقدر من غيره على علاج جوانب القصور في نفسه، ولا بد أن يشعر كلا الأبوين أنهما مسئولان عن أطفالهما.

وهما محاسبان على التقصير في تربيتهما، وعن هذه المسئولية، فمسؤولية تربية الأولاد هي من أهم الواجبات التي يطالب بها الوالدان حقا لأولادهما، وإن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأولياء والآباء أن يتخلوا عن هذه المهمة أو أن يقصروا فيها بأن لا يعملوا على تربية وتعويد الأولاد والأطفال على خير الأخلاق والصفات والأفعال، وغن من صور التوجيه النبوي الشريف للصغار، والحرص على إرشادهم للخطأ في سلوكهم وتصرفاتهم لكي لا يألفوه فيعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم : طفلاً من أطفال المسلمين أحسن الأدب في تناول الطعام، وبهذا يعوده على أحسن الأخلاق وأرقها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأطفال دائما مكارم الأخلاق وأسماها، من التوكل على الله ،والاستعانة بالله، وقطع الأمل فيما عند الناس.

ورجاء ثواب ما عند الله تعالي، ويؤكد القرآن الكريم على تعليم الأطفال وتعويدهم على مكارم الأخلاق فيأمر الوالدين أن يعودوا أولادهما على الاستئذان في أوقات محددة وهي الأوقات التي هي مظنة التخفف من الثياب، وإن أطفالنا نبتات طرية فإذا تركت دون ركائز مالت واعوجت، وما ينشأ عليه الطفل من صغره يصبح ملازما وراسخا معه في كبره، ولكي يحترمك أولادك لابد أن تكون قدوة لهم في جميع تصرفات, فلا يصح أن تنهاهم عن الكذب وتكذب أمامهم و ولا أن تأمرهم بالعفة والشرف وأنت بمنأى عن ذلك، وإذا أحبك أولادك واحترموك فإنهم سوف يجدون في تلبية رغباتك وتنفيذ طلباتك، حتى لو كان ذلك يتصادم ورغباتهم وما يحبونه، وكذلك أيضا فإن البرامج الجماعية تفتقر إلى تفاعل الفرد معها تتاح للإنسان مناسبات وفرص جماعية.

تحقق له قدرا كبيرا من الاستفادة، لكنه لا يمكن أن يستفيد منها ما لم يتفاعل معها، فقال الله عز وجل “أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها” فالماء النازل من السماء واحد، لكن الأدوية تتفاوت فيما تحمله منه، فكل واد يحمل على قدر سعته، وهكذا القلوب تتفاوت بما تتلقاه من وحي الله عز وجل، وتتفاوت في أثر هذا الوحي عليها كما تتفاوت هذه الوديان، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي أتى به وتلقي الناس منه تشبيها قريبا من ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم”مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى.

إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” متفق عليه، ويحدثنا القرآن الكريم عن نماذج من نتاج تخلف التربية الذاتية فيقول تعالي “وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين” ولقد كانت هاتان المرأتان زوجتين لنبيين من أنبياء الله، ولابد أن نوحا ولوطا عليهما السلام بذلا معهما جهدا في دعوتهما إلى الدخول في دين الله تعالى، ولكن حين لم يكن منهما مبادرة ذاتية لم ينتفعا بذلك الجهد وتلك الدعوة، ويبذل الرسول صلى الله عليه وسلم جهده مع عمه أبي طالب حتى عند مرض الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى