مقال

الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور “جزء 5”

الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور، فطلب عبد الله بن محمد من ابن عمه محمد بن علي أن يأخذ القصاص له، لتنطلق بذلك قصة الدعوة العباسية، التي كانت بداية لعهد جديد، ويجب أن نعلم إن من أخطر ما واجه المنصور هو ثورة العلويين بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية، وأخيه إبراهيم، وكانا يعدان العدة للخروج على أبي جعفر المنصور، وينتظران الفرصة للانقضاض عليه، واختفيا عن أنظار الخليفة يبثان رجالهما وينشران الدعوة إليهما، وكان محمد النفس الزكية يرى نفسه أحق بالخلافة من أبي جعفر المنصور، فامتنع عن بيعته، كما امتنع من قبل عن بيعة أبي العباس السفاح، فلما ولي أبو جعفر المنصور رأى في بقاء محمد وأخيه خطرا يهدد دولته.

 

وأيقن أنهما لن يكفا عن الدعوة إلى أحقية البيت العلوي بالخلافة، وأقلق اختفاؤهما الخليفة اليقظ، فبذل ما في وسعه لمعرفة مكانهما فلم ينجح في الوصول إليهما، وعجز ولاة المدينة عن تتبع أخبارهما، فاستعان بوالي جديد للمدينة غليظ القلب للوصول إلى مكان محمد النفس الزكية، فلجأ إلى القبض على عبد الله بن الحسن والد الزعيمين المختفيين وهدده وتوعده، وقبض أيضا على نفر من آل البيت، وبعث بهم مكبلين بالأغلال إلى الكوفة فشدد عليهم الخليفة وغالى في التنكيل بهم، فاضطر محمد النفس الزكية إلى الظهور بعد أن مكث دهرا يدعو لنفسه سرا، واعترف الناس بإمامته في مكة والمدينة، وتلقب بأمير المؤمنين، وكان الناس يميلون إليه لخلقه وزهده وحلمه وبعده عن الظلم وسفك الدماء حتى أطلقوا عليه النفس الزكية.

 

وحين نجحت حيلة المنصور في إجبار محمد النفس الزكية على الظهور بعد القبض على آل بيته، وقد بعث إليه بجيش كبير يقوده عمه عيسى بن موسى فتمكن من هزيمة محمد النفس الزكية وقتله بالمدينة المنورة، ثم تمكن من هزيمة الجيش العلوي الثاني الذي كان يقوده إبراهيم أخو محمد النفس الزكية، الذي تغلب على البصرة والأهواز وفارس، ونجح في القضاء عليه بعد صعوبة بالغة في معركة حاسمة وقعت في باخمرى بين الكوفة وواسط، وبذلك زال خطر هائل كان يهدد سلامة الدولة الناشئة، وقد أثبتت هذه الأحداث المتلاحقة والثورات العارمة، ما يمتلكه الخليفة أبو جعفر المنصور من براعة سياسية وخبرة حربية، وقدرة على حشد الرجال، وثبات في المحن، ودهاء وحيلة في الإيقاع بالخصوم، وبذلك تمكن من التغلب على المشكلات التي واجهته.

 

منذ أن تولى الحكم، وفي سنة مائه وخمسين من الهجره، خرج أحد المتمردين ببلاد خراسان واستولى على أكثرها، وانضم له أكثر من ثلاثمائة ألف، وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين، وهزموا الجيوش في تلك البلاد، ونشروا الفساد هنا وهناك، فبعث أبو جعفر المنصور بجيش قوامه أربعون ألفا بقيادة خازم بن خزيمة، الذي قضى على هؤلاء الخارجين، ونشر الأمن والاستقرار في ربوع خراسان، وكانت هناك من المنصور نهضه إقتصاديه كبيره وذلك مع اهتمام المنصور بالزراعة والصناعة وتشجيعه لأصحاب المهن والصناعات، وتأمينه خطوط التجارة والملاحة في الخليج العربي حتى الصين من خطر القراصنة الذين كانوا يقطعون طرق التجارة، ويقتلون التجار، ويستولون على الأموال، وراح قواده يؤدبون هؤلاء اللصوص.

 

وكثيرا ما يعود قواده من الغزو في البحر بالغنائم والأسرى حتى انقطعت القرصنة، ولقد تم في عهده إعادة فتح مدينة طبرستان، في بلاد ما وراء النهر، وقد أعطى المنصور اهتماما بالغا بجهة الشمال، فأمر بإقامة التحصينات والرباطات على حدود بلاد الروم، وكانت الغزوات المتتابعة سببا في أن ملك الروم راح يطلب الصلح، ويقدم الجزية صاغرا، وقام المنصور بحملة تأديبية على جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط، وأثر قيام أهلها بمساعدة جيش الروم، ونقضهم العهد الذي أخذوه على أنفسهم يوم أن فتح المسلمون جزيرة قبرص، ونفسه، ليكون مركزا للترجمة إلى اللغة العربية، وقد أرسل أبو جعفر إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى