مقال

أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي ” جزء 3″ 

أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب وجمع الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه ليشاورهم في الأمر، وأجمعوا على الدفاع والقتال ولكن كيف الدفاع ؟؟ وهنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا، تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها، بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر، وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.

 

وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة، والله يعلم، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها، ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا، فلولا يائسة منهوكة، وخلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحمل معوله ويضرب معهم، وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية، وكان سلمان قوي البنية شديد الأسر.

 

وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا، وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا، وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية، وعاد الرسول صلي الله عليه وسلم مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة، وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلاعن مرمى الشظايا، وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فاذا بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا، ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لابتيها، أي يضيء جوانب المدينة، وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا ” الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس.

 

ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها ” ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت الظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع، وهلل النبي صلي الله عليه وسلم مكبرا ” الله أكبر، أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء، وان أمتي ظاهرة عليها ” ثم ضري ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول صلي الله عليه وسلم وهلل المسلمون معه، وأنبأهم صلي الله عليه وسلم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وكان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.

 

وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول صلي الله عليه وسلم يرى الضوء، ويسمع البشرى، ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مداءن الفرس والروم ، رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق، رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير، وولى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سلمان الفارسي على بلاد فارس، فدخلها وصلى بالناس فيها يوم الجمعة، أما وفاته فكانت في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، وقد تولى عثمان رضي الله عنه دفنه والصلاة عليه وتجهيزه، ويقع مقامه في مدينة المدائن، وتوفى في العام الثالث والثلاثون من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى