مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 6”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 6”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع هارون الرشيد وحادثة البرامكة، وأحضر يحيى بن خالد البرمكي، ولطف به وداراه ووعده ومناه وسأله أن يشير على هارون بالخلع، فلم يجب يحيى إلى ذلك ودافعه مدة، فتهدده وتوعده، وجرت بينهما في ذلك خطوب طويلة، وأشفى يحيى معه على الهلاك، وهو مقيم على مدافعته عن صاحبه، إلى أن اعتل الهادي علته التي مات منها، واشتدت به، فدعا يحيى وقال له ليس ينفعني معك شيء، وقد أفسدت أخي علي، وقويت نفسه حتى امتنع مما أريده، ووالله لأقتلنك، ثم دعا بالسيف والنطع وأبرك يحيى ليضرب عنقه، فقال إبراهيم بن ذكوان الحراني يا أمير المؤمنين إن ليحيى عندي يدا، أريد أن أكافئه عليها، فأحب أن تهبه لي الليلة، وأنت في غد تفعل به ما تحب، فقال له ما فائدة ليلة، فقال إما أن يقود صاحبه إلى إرادتك يا أمير المؤمنين.

 

أو يعهد في أمر نفسه وولده، فأجابه، قال يحيى فأقمت من النطع، وقد أيقنت بالموت، وأيقنت أنه لم يبقي من أجلي إلا بقية الليلة، فما اكتحلت عيناي بغمض إلى السحر، ثم سمعت صوت القفل يفتح علي، فلم أشك أن الهادي قد استدعاني للقتل، لما انصرف كاتبه، وانقضت الليلة، وإذا بخادم قد دخل إلي، وقال أجب السيدة، فقلت ما لي وللسيدة، فقال قم، فقمت وجئت إلى الخيزران فقالت إن موسى قد مات، ونحن نساء فادخل، فأصلح شأنه، وأنفذ إلى هارون فجئ به، فأدخلت، فإذا به ميتا، فحمدت الله تعالى على لطيف صنعه، وتفريج ما كنت فيه، وبادرت إلى هارون، فوجدته نائما فأيقظته، فلما رآني عجب وقال ويحك ما الخبر، قلت قم يا أمير المؤمنين إلى دار الخلافة، فقال أو قد مات موسى؟ قلت نعم، فقال الحمد لله، هاتوا ثيابي، فإلى أن لبسها، جاءني من عرفني أنه ولد له ولد من مراجل.

 

ولم يكن عرف الخبر، فسماه عبد الله، وهو المأمون وركب وأنا معه، إلى دار الخلافة، وفي نفس سنة توليت الرشيد مقاليد الحكم، وقيل أن أسباب نكبة البرامكة هو أن البرامكة في عهد هارون الرشيد غرّهم ما كان لهم من نفوذ وسلطة وقيل أيضا إنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجابهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه، ولم يغفل الرشيد عن استبداد البرامكة، ولكنه أراد أن يحفظ الودّ الذي كان بينه وبينهم، ولكنهم تمادوا، وقام جعفر بن يحيى بمحاولة إيقاع العداوة بين ولي عهد الرشيد، الأمين والمأمون، حتى يزرع في قلوبهم حُب السيطرة مما يؤدي إلى أن يكون الحكم سببا لعداوتهم، وقام بمنع الرشيد من المال بحجة حفظ مال المسلمين.

 

حتى وصل به الحال إلى أن يحاسب الرشيد على ما يقوم به، وكان الرشيد بارعا في كظم غيظه، ورغم عدم قبوله لما يحدث، لم يكن يحدّث إلا خاصته، ولكن حديثه عن البرامكة وصل إليهم، فقاموا بعدّة تدابير لحماية أنفسهم، فقام والي الجانب الشرقي الفضل بن يحيى بجعل خراسان مقرا له، وأعد جيشا يتألف من خمسمائة ألف جندي، فلما وصل خبر الجيش إلى الرشيد، أمر الفضل بالقدوم إليه، فجاء الفضل ومعه فرقة من الجيش أطلق عليها اسم الكرمينية، لحمايته، والعودة إلى بغداد، ولكن البرامكة قاموا بإدخال هذه الفرقة إلى بغداد، ثم إلى القَصر بحجة حماية الرشيد وأهله، حتى يجعلوا نهايته بين أيديهم، فأحس الرشيد أنه يواجه انقلابا عسكريا، يُوشك أن ينهي مُلكه ومملكته، وقد نقل قول جعفر البرمكي لأحد أخصّاء الرشيد على إثر عتاب وجهه إليه.

 

وقال والله لئن كلفنا الرشيد بما لا نحب، ليكونن وبالا عليه سريعا، وكان الرشيد صاحب إيمان ورجولة عندما قرر القضاء على الانقلاب، وبرع في التخطيط لذلك، وأن الرشيد لم يكن غافلا عن أعمال البرامكة التي توجب محاسبتهم، ولكنه أغمض عينيه فترة غير قصيرة عنهم، وفاء لخدماتهم، وحرصا على صفاء الجو بينه وبينهم، وأملا في أن يعودوا إلى رشدهم، ولكن أمر البرامكة تفاقم، وسلطانهم ظهر على سلطانه، والنعرة الفارسية والشعوبية تكالبت على قوميته، واستبد “يحيى بن خالد” بكل أمور الدولة، وتدخل “جعفر بن يحيى” في خاصة شؤونه، حتى أوقع بين ولى عهده الأمين والمأمون، وغرس الحقد بينهما بما يهدد مستقبل الخلافة إذا تنازعا عليها، ومنع المال عن الرشيد بحجة المحافظة على أموال المسلمين، التي راح هو وجماعته يرتعون فيها بغير حساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى