مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 7”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 7”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع هارون الرشيد وحادثة البرامكة، وبلغ الأمر إلى أن بات جعفر يحاسب الرشيد على تصرفاته، ولا يأبه إلى اعتراضاته، وقد كان الرشيد يعاني ضيقا شديدا من هذه التصرفات، ولكنه كان قوي الاحتمال، عظيم الصبر، واسع الحيلة، ومن أمهر الناس في التظاهر بالرضا، وهو في أشد سورة غضبه إذا اقتضى الأمر ذلك، وكان ينفس عما في صدره بهمسات يهمس بها في آذان بعض خاصته، ولكن نبأ هذه الهمسات وصل إلى البرامكة، وتيقنوا منها أن الرجل ضاق ذرعا بأعمالهم، وأنه قد تغير في السر عليهم، فبدل أن يعدلوا أمورهم ويسلكوا سبيل الإنصاف، عولوا على اتخاذ الحيطة لأنفسهم بما يحول دون تمكنه منهم، ويجعله دائما في قبضة أيديهم، فقام الفضل بن يحيى الذي تم تعيينه واليا على الجانب الشرقي للدولة باتخاذ خراسان مقرّا لولايته.

 

وقام بتكوين بها جيشا عظيما من العجم، وكان قوامه خمسمائة ألف جندي دون أخذ رأي الرشيد وسماه العباسية، وجعل ولاء هذا الجيش للبرامكة وحدهم، ولما علم الرشيد بذلك الحدث الخطير، استقدم الفضل إلى بغداد من غير أن يعزله، فحضر إليها ومعه فرقة من هذا الجيش عددها عشرون ألف جندي مسلح من الأعاجم، وقد ثارت الهواجس في نفس الرشيد من تكوين هذا الجيش، ولكنه استطاع أن يحبس هواجسه عن البرامكة وعن الناس، وراح يترقب أخبار هذه الفرقة الأعجمية التي سماها البرامكة بفرقة الكرمينية، والتي كان عليها أن تعود إلى موطنها بعد أن أدت واجبها في حراسة موكب الفضل بن يحيى من خطر الطريق، فوجد البرامكة يُنزلون هذه الفرقة في معسكر الرصافة، لتكون تحت إمرتهم في قلب بغداد، وبعد فترة قصيرة من إقامتها أخذوا عددا من جنودها.

 

وأسكنوهم رحبة من رحاب قصر الخلد ليكونوا حرسا لشخص الرشيد وأسرته، وبذلك يضعون مصير الرشيد والخلافة العباسية في قبضة أيديهم، وذلك هو السبب المباشر لنكبتهم، فقد رأى الرشيد أنه أصبح أمام انقلاب مسلح، وشيك الوقوع يطيح به وبدولته وبقوميته، ولقد كان الخليفة الرشيد في قمة الإيمان والرجولة حين قرر في نفسه تحطيم هذا الانقلاب، كما كان بارع الذكاء في تدبير الخطة التي مزق بها جيش العباسية في خراسان، وإضعاف شوكة البرامكة فيها، دون إحداث ضجة تستفز الخصوم، وتحدث المشاكل، إلى أن جاءت الساعة الفاصلة في أمرهم، وقد كان هارون الرشيد حكيما بليغا، فعندما أراد أن يعلم ولده، فقال خلف الأحمر بعث إليّ الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين، فقال يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة.

 

وطاعته لك واجبة فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار، وروّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرّن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة، وقد ذكر الطبري عن ثمامة بن أشرس قال أول ما أنكر يحيى بن خالد من أمره أن محمد بن الليث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه فيها ويذكر أن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيءا وقد جعلته فيما بينك وبين الله فكيف أنت إذا وقفت بين يديه فسألك عما عملت في عباده وبلاده فقلت يا رب إني استكفيت يحيى أمور عبادك.

 

أتراك تحتج بحجة يرضى بها مع كلام فيه توبيخ وتقريع، فدعا الرشيد يحيى وقد تقدم إليه خبر الرسالة فقال تعرف محمد بن الليث قال نعم، قال فأي الرجال هو، قال متهم على الإسلام فأمر به فوضع في المطبق دهرا، فلما تنكر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه فأحضر فقال له بعد مخاطبة طويلة يا محمد أتحبني قال لا والله يا أمير المؤمنين، قال تقول هذا، قال نعم وضعت في رجلي الأكبال وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت ولا حدث أحدثت سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله ويحب الإلحاد وأهله فكيف أحبك قال صدقت وأمر بإطلاقه، ثم قال يا محمد أتحبني، قال لا والله يا أمير المؤمنين ولكن قد ذهب ما في قلبي فأمر أن يعطى مائة ألف درهم ، فأحضر فقال يا محمد أتحبني قال أما الآن فنعم قد أنعمت علي وأحسنت إلي، قال انتقم الله ممن ظلمك وأخذ لك بحقك ممن بعثني عليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى